والموت نحن نجده هنا في القرآن الكريم وبمناسبة ذكره هنا ليس من الوسائل التي يأتي التخويف بها للناس، ليس من وسائل التخويف إطلاقا داخل القرآن الكريم؛ ولهذا لا تجد الحديث عن الموت إلا خاطفا وبسرعة ينتقل إلى اليوم الآخر؛ لأنه اليوم الشديد الأهوال، هو ما يجب أن تخافه، هو ما يكون الحديث عنه هو الذي يصنع الخوف في النفوس، هو الذي يملأ القلوب خوفا ورعبا، أما الموت نفسه إنما هو الخطوة الأولى، وهو قضية عادية، قضية عادية، هو بداية الرجوع إلى الله.
ليس هو في حد ذاته ما يجب أن يخيف باعتباره حدثا، ليكن خوفك هو من الرجوع إلى الله إلى اليوم الآخر، في اليوم الآخر يوم القيامة. ألم يأت الكلام عن اليوم الآخر في القرآن مكرر جدا؟.. بعض السور تكون من أولها إلى آخرها عن التخويف باليوم الآخر، هل ورد تخويف بالموت داخل القرآن الكريم؟. لم يرد.
ليعرف أولئك الذين يتحدثون مع الناس ويرشدون الناس أنهم كم يغلطون، كم يرتكبون من خطأ جسيم عندما يتحدثون مع الناس عن تخويفهم بالموت نفسه، ثم يذكرون لهم أهوال القبر وعذاب القبر وكلاما في النعش وكلاما طويلا, طويلا عريضا كله يحول الموت إلى شبح مخيف. أن هذا أسلوب يترك أثرا سيئا جداً جداً يتخالف مع منهجية القرآن، ويخالف ما يريد القرآن منا.
إنه الذي يربي هذه الأمة تربية جهادية، الذي يربيك لتكون مجاهدا، هل ينطلق ليخوفك من الموت نفسه، وهويريد منك أن تستبسل وأن تبذل نفسك في سبيل الله!.. لا يمكن هذا حتى ولا لقائد عسكري أن يعمله.
القائد العسكري وهو يعمل على رفع معنويات الجنود في ميدان المواجهة هل يأتي ليتحدث معهم عن القبر والنعش والأهوال، وهذه الأشياء الكثيرة؟ أم أنه يحدثهم حديثا يجعلهم يستهينون بقضية الموت، يجعلهم يتقافزون، وتستخدم حتى الحركات، وتستخدم حتى نغمات موسيقية معينة، وتستخدم حتى صرخات معينة، وأناشيد لها ألفاظها المعينة كلها تدفع بالإنسان إلى الاستبسال.
لكن تعال جمع كتيبة تريد أن يجاهدوا ثم اقرأ عليهم من كتاب [تصفية القلوب] أو من أي كتاب آخر من كتب الترغيب والترهيب عن النعش والموت وسكرات الموت والقبر ثم انظر هل سيتحرك أحد منهم؟ ستبرد أعصابهم ستجَمِّد نفوسهم.
الإنسان إذا تربى على الخوف من الموت وقيل له: إن الموت كذا وكذا، وعلى النعش كذا وكذا، والقبر مليء كذا وكذا إلى آخره يخاف مهما كان متركعاً مهما كان متعبدا ينشد إلى الحياة ويخاف أن يواجه، أن يدخل في مواجهة لا يريد أن يموت؛ لأنه أصبح خائفا من شبح الموت.
التربية القرآنية هي التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: ((والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)) لكنه كان وهو يتذكر اليوم الآخر، كان يتخشب جسمه خوفا من الله، وخوفاًَ من اليوم الآخر، وهكذا حكى عنهم في قضية إنفاقهم وإطعامهم اليتيم والمسكين والأسير. {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}(الإنسان:10) ما قال موت ولا ما موت، الموت لا وجود له في القرآن الكريم إلا كحديث عن قضية هي أول خطوة إلى العالم الآخر، والقبر إنما هو غرفة كأي غرفة في بيتك.
يقال: جنة ونار وباب إلى الجنة وطاقة إلى النار.. الجنة والنار لم تخلق بعد، الجنة والنار لم تخلق بعد كما قال الإمام الهادي نفسه أن الجنة لم تخلق بعد، منهجية مغلوطة تتحدث بها مع أمة وكمنهج.
قد يكون هذا أسلوباً فيما إذا استحسنه شخص معين أمام شخص معين أو مجموعة معينة وبشكل استثنائي مؤقت لا يصلح أن يكون منهجا، لا يصح أبداً أن يكون منهجاً، مع أن الكثير من التفاصيل التي يقولونها حول الموت، وحول النعش، وحول القبر. غير صحيحة. غير صحيحة من أساسها.
عندما آتي أنا وكمرشد وبنظريتي القاصرة، ونظرتي القاصرة أريد أن أطلع ناس أراهم يبكون وأراهم خائفين ويتجهون إلى الطاعات ونوع من الطاعات المعينة، ويبتعدون عن المعاصي فأقول هؤلاء أولياء الله. تستطيع أن تنتج ناس من هذه النوعية لكنك لو تدري كم جنيت عليهم، قد تراهم [أطياب] وتراهم فعلا يبتعدون عن المعاصي وترى مظهرهم مظهر أولياء الله لكنهم من النوعية التي لا تقدم ولا تؤخر.
ذلك الرجل الذي كان ينطلق في الميدان ميدان الجهاد بكل قوة وبكل هدوء.. ولا خوف ولا ذرة من الخوف في نفسه، هو من كان يقول: ((والله لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ)) ((لأنا آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)).
إذا كنت تريد أن تصنع خوفا في نفوس الناس، وخشية من الله، خوفاً وخشية إيجابية لا سلبية معها إطلاقاً.. ركز على ما ركز عليه القرآن الكريم على اليوم الآخر على الحديث عن اليوم الآخر عن تفاصيله، عن أهواله، عن شدائده، عن النار، عن الجنة.. وهذا هو ما ظهر جليا في القرآن
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
خطر دخول أمريكا اليمن
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 3/2/2002م
اليمن – صعدة