الأمر الآخر: باتت عملية الدعوة إلى الإسلام في ذلك الوضع المتوتر جدًّا، وتلك البيئة المجتمعية المعاندة والمتَّبعة للطاغوت، والكافرة بالحق، والمنصرفة عن الهدى، بات العمل فيها غير مجدٍ، لا يمكن أن يقوم للأمة الإسلامية كيان في ذلك الواقع، في تلك البيئة كان لابدَّ من الانتقال إلى مجتمعٍ آخر، سُنة مهمة من سنن الله -سبحانه وتعالى- مع عباده اسمها سنة الاستبدال: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [محمد: من الآية38]، {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام: 89]، كان هناك مجتمع آخر، هذا المجتمع هو مجتمع الأوس والخزرج، في يثرب، فيما عرف فيما بعد بالمدينة المنورة، مدينة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
الأوس والخزرج قبيلتان يمنيتان، منذ مئات السنين استقرتا في ذلك الموقع، في بعض الأخبار والآثار أن ذلك من عهد تُبَّع اليماني، وأنه أمر حين كانا معه من القبائل اليمانية، هما الأوس والخزرج، بالاستقرار هناك إلى حين مبعث رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، وأوصاهما بنصرته والإيمان به، الأوس والخزرج مثَّلا مجتمع لا يزال فيه قابلية للاهتداء بالإسلام وحمل راية الإسلام، وأن يكون هو البديل الذي يستبدل الله به مجتمع مكة، وهذا الذي حدث، خسر مجتمع مكة الذي بقي متشبثًا بأبي جهل وأبي سفيان، ورافضًا لرسول الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله-، وبقي متشبثًا بخرافات وشرك، وظلمات من الجهل والأباطيل، ومساوئ الأخلاق، وغارقًا فيما هو فيه من مستنقعات الجاهلية والرذيلة والفساد، وأن يكون ذلك المجتمع الآخر هو المجتمع الذي يحظى بنور الإسلام، فيسْمُو بهذا الدين، ويعلو براية هذا الدين، ويشرُف بعظمة هذا الدين، بعظمة قيمه ومبادئه وأخلاقه، فيفوز هو بهذا الشرف الكبير، ويخسر مجتمع مكة، هذا- بحد ذاته- يمثِّل درسًا مهمًا جدًّا، ونحن نقول كما في المناسبات الماضية، وكررنا هذه النقطة إلى مجتمعنا اليمني: أن القدوة والأسوة في التمسك بالحق، والإقبال على الهدى، والتمسك بمبادئ الإسلام، وقيمه العظيمة، وأخلاقه الكريمة، وتشريعاته التي فيها الخير والفلاح؛ مجتمع الأنصار الذي آوى رسول الله ونصر رسول الله، ذلك المجتمع الذي حظي بشرف تسمية إلاهية، تسمية من الله، سمَّاهم الله -جلَّ شأنه- بالأنصار، هذه تسمية من الله (الأنصار)، هذا شرف كبير، المجتمع الذين قال الله عنهم أنهم (تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ)، {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: من الآية9]، ذلك المجتمع المعطاء، المجتمع المضحي، المجتمع الخيِّر، البعيد عن تلك الحالة التي كانت مستحكمة في مجتمع مكة من: الطمع، والجشع، والأنانية، والكبر، والغطرسة… عناصر سلبية جدًّا طغت على واقع مجتمع مكة فأثَّرت عليه، ومثَّلت عائقًا بينه وبين الهداية، فإذا بالأوس والخزرج يمثِّل بما يمتلك من عناصر تجعل لديه قابلية لتقبل الهدى والأتباع للرسول، فحظي بهذا الشرف والفوز العظيم، وانتقل الرسول إلى المدينة، وبدأ مشوارًا جديدًا.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة الهجرة النبوية 1440هـ – 1 –1.