زياد عطيفة
عندما تأتي لحظاتُ الحسم لا مكانَ للرماديات؛ فالبعض منا، إذَا أتى عيدُهم تناسوه وكأنه يومٌ عادي، وَإذَا جاء عيدُ غيرهم تسابقوا للاحتفال به.. فالمشكلة ليست في الفرح، بل في غياب الانتماء، وفي خجلٍ صامت من الهُوية لا يُقال بصراحة أَو بصورة واضحة؛ وما علينا إلا البلاغ.
فعندما يختلط الدمّ بالأرض، ومن هذا الدم تنبت زهرةٌ حمراءُ قانية، وحين يُتناقل في الموروث الشعبي أن هذه الأرض لا تنمو إلا في أرضٍ مسّها الألم..
ويعتقد البعض أن أوراقها تذبل سريعًا لأنها لا تحتمل الفراق.. فليعلم العالم أن أهل غزة يغرقون، بينما الجميع في هذا العالم نائمون.
وإن ما يجري في اليمن ليس كساحة صراع عابرة، وإن ما يجري لا يحتمل مزيدًا من التواطؤ بالصمت، ولا مزيدًا من التجميل اللغوي لواقع قبيح.
الإماراتي والسعوديّ: وجهان لعملة واحدة للصهيوني
إن السعوديّة والإمارات لا تعملان في اليمن كدولتين ذواتي سيادة تبحثان عن استقرار جارٍ شقيق، بل كأدوات تنفيذية لمشروع أمريكي‑صهيوني أوسع، يستهدف تفكيك اليمن، والسيطرة عليه، ونهب الثروات، وتأمين تفوق كيان الاحتلال الصهيوني وليس في اليمن فقط بل في المنطقة كلها.
وإن كُـلّ ما يُسمّى تحالفًا في اليمن لم يكن يومًا مشروع إنقاذ أَو دعمًا لشرعية أَو بناء جيش وطني؛ كان ولا يزال مشروع وصاية كاملة، تُدار تفاصيلها من واشنطن، وتُضبط بوصلتها النهائية بما يخدم “إسرائيل”.
وإن الهدف الحقيقي هو تثبيت الوجود السعوديّ المباشر على بحر العرب، وتأمين مشروع مدّ أنابيب النفط بعيدًا عن مضيق هرمز، ووضع اليد على حضرموت النفطية؛ باعتبَارها ركيزة استراتيجية في معادلة الطاقة الدولية.
قراءة أيديولوجية؛ لخدمة مصالح السعوديّ والإماراتي
إن السعوديّة تسعى لخطِّ تصدير نفطي محمي أمريكيًّا، خارج أي تهديد إقليمي، يخدم في النهاية استقرار السوق الغربية، ويمنح واشنطن والاحتلال هامش أمان استراتيجي.
واليمن، في هذه المعادلة، ليس دولة، بل ممرّ، ومخزون ثروة، وساحة مفتوحة.
أما الإمارات، فقد اختارت أن تكون الذراع البحرية للمشروع ذاته: موانئ، جزر، سواحل، قواعد غير معلنة، من عدن إلى المخا إلى سقطرى.
وكل ذلك تحت لافتة “مكافحة الإرهاب” أَو “حماية الملاحة”، بينما الهدف الفعلي هو التحكم بباب المندب والبحر الأحمر، وتأمين العمق البحري لكيان الاحتلال الصهيوني، حَيثُ تسعى كلها لمنع قيام يمن موحد، قوي، مستقل القرار، وفي مقابل هذا المشروع، تقف صنعاء، لا بوصفها عاصمة جغرافية فقط، بل كعنوان سياسي لرفض الوَصاية.
صنعاء، رغم الحصار والحرب، حافظت على مؤسّساتها، وأدارت مجتمعها، ونظمت مواردها، وقدمت نموذجًا أوليًّا لما يعنيه القرار الوطني المستقل.
حين تُدار الزكاة كأدَاة تنموية، وحين يُحمى التعليم والبحث العلمي، وحين تُحافظ الخدمات الأَسَاسية على الحد الأدنى من الانتظام، فذلك ليس مُجَـرّد إدارة أزمة، بل موقف سياسي سيادي، ولهذا تُستهدف صنعاء؛ لا لأنها خارجة عن الإجماع، بل لأنها خارجة عن التبعية.
إن معركة اليمن الحقيقية هي بين مشروع سيادة وطنية، ومشروع وصاية دولية تقوده أمريكا، وتنتفع منه “إسرائيل”، وتنفذه السعوديّة والإمارات.
التاريخ لا يرحم المتردّدين، ولا يغفر لمن رأى الحقيقة واختار الصمت؛ واليمن، اليوم، لا يحتاج بيانات مجاملة، بل مواقف واضحة، تنحاز للسيادة، وتفضح الوصاية، وتسمي الأشياء بأسمائها.
عين الحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح:
كثرةُ المجاملة ألبست بعضَ الناس ثوبَ الغرور، حتى توهّموا أنهم ذوو قيمة.
فمن يحاول اليوم الإمساك بمنتصف العصا في المنعطفات المصيرية للأوطان، ففي لحظات الحسم لا مكان للرماديات، والجبن لا يؤدي إلا بصاحبه (إلى الهلاك).
وإن اليمن سوف يكون حصنًا حصينًا ومعقلًا راسخًا من معاقل الإسلام؛ سوف يعود قويًّا في هُويته الحضارية، ثابتًا في عقيدتها، وواضحًا في انتمائه، ومحافظًا على رسالته التاريخية في خدمة الإسلام وأهله.
وسترجع عزيزةً شامخة، معتزةً بتاريخها العريق، وحضارتها الضاربة في عمق الزمن، وقيمها الأصيلة، وأهلها الكرام، بقيادة أسد الله الغالب السيد القائد ورجالاتها الصادقين الذين حملوا همّ الدين والأمة في السراء والضراء؛ قال سبحانه: "قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"، وقال جل وعلا: "وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا".
إن صنعاء هي دار القرار، والحكم فيها، والجنوب جزء لا انفصال يُباح، وإن التهديد الخارجي يكشف هروبًا من استحقاق سابق لصنعاء، وفي نفس الوقت يكشف قوله بأنه مُجَـرّد وسيط؛ الشعبُ له حق والقرار لصنعاء لا سواها، والجنوب في صنعاء لا انفصال يُتاج (يُتاح).
إن "توحيد اليمن" اليوم لن يقف عند حدود جغرافية ضيقة، بل سيفتح الطريق أمام تشكّل إمبراطورية إقليمية جديدة تمتد من عدن حتى تبوك، وتشمل مكة والمدينة.
إن ما يحدث من صراع بين الإمارات والسعوديّة داخل اليمن إنما هي تحالفات بُنيت على المصالح المؤقتة لن تصمد طويلًا؛ فهم "أُولئك شر مكانًا".
فالأسد إن غاب عن عرينه "أسدٌ" فيحدث أن تستأسد على أشباله ضباع، لتبقى مهمة الأشبال أن يدفعوا عن عرينهم ضد أي ضبع! وفي الأخير سوف يكون الجنوب والشمال بحكم قائد واحد؛ باعتبَاره الأمر الواقع الجديد، بإذن الله.
وبالرغم من كُـلّ ما جرى اليوم في الجنوب وما خلّفه من ألم، لم نسمح للعدو أن يجد طريقه إلى تنفيذ مخطّطاته، وسوف يبقى الوفاء ثابتًا وصادقًا لإخوتنا في الجنوب، يجمعنا معهم الانتماء والمصير الواحد.، حَيثُ ندرك جيِّدًا أن المشروع الشيطاني يعتمد على "تسمية الأشياء بغير مسمياتها" مثل تسمية الخمر مشروبات روحية، والربا فوائد، والتطبيع سلامًا.
إن المشروع القرآني ليس شعارًا يُرفَعُ بل عقيدةٌ تُجسَّد، ووفاء يمشي على الأرض بثبات، وسوف يكون اليمن رغم الجراح، أرض الإيمان والحكمة، وميدان الصبر والرجاء، حتى يأذنَ الله بفرج قريب ونصر مبين..
ولله ولي ذلك والقادر عليه، وأن لا عزاء لظالم ولا رحمة لخائن ولا فناء لثائر.







.png)