أما في شخصيته في الأبعاد الأخرى والجوانب الأخرى، والإمام عليٌ -عليه السلام- تميَّز بالتكامل بما لا يوجد لدى غيره من جنود الإسلام، فيما هو قائدٌ عسكريٌ عظيمٌ، بل أعظم قائد عسكري من المسلمين من أتباع رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وأعظم جندي قبل أن يكون قائداً كذلك، ومقاتلٌ لا مثيل له بين المسلمين، وبين أتباع رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- بشخصيته العسكرية تلك، وعادةً ما تكون الشخصية العسكرية يغلب عليها طابع معين، إلَّا أنَّ شخصية الإمام علي -عليه السلام- كانت شخصيةً تكاملت بتكامل الإسلام في كل مجالات الحياة، في كل تأثيراته الأخلاقية الأخرى، في كل جوانبه المهمة، فهو إلى جانب ذلك الشخصية العلمية العظيمة الذي استوعب الإسلام فكراً وثقافةً وعلماً بما لم يستوعبه غيره من أتباع رسول الله وتلاميذ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- فهو كما عبَّر الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- في قوله: (أنا مدينة العلم، وعليٌ بابها)، كان هو باب مدينة علم النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- هو الأذُن الواعية الذي كان المصداق الأول لقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: من الآية12]، فكان الإمام عليٌ -عليه السلام- بدعوة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- أول مصداق لهذه الآية المباركة، وأعظم مصداق من أبناء الأمة، أعظم من وعى واستوعب هذا الدين فكراً أيضاً وثقافةً ومعرفةً، فكان هو باب مدينة علم النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- وهو الذي كان يحرص ألَّا يغمض له جفن في كل يوم إلا وقد استوعب ما نزل من القرآن الكريم، ما نزل من توجيهات الرسول، وما قدمه الرسول في ذلك اليوم من الهدى والمعارف الإسلامية، وفي هذا المجال كم للإنسان أن يتحدث عن علمه، عن معرفته، عن ثقافته، عن موقعه في الهداية، في هداية الأمة، نتحدث- إن شاء الله- عندما نصل إلى الحديث عن قول الرسول: (عليٌ مع القرآن، والقرآن مع علي)، عن قوله: (عليٌ مع الحق، والحق مع علي).
والإمام عليٌ -عليه السلام- وهو باب مدينة العلم، وهو الذي يقول: (علمني رسول الله ألف بابٍ من العلم، كل بابٍ يفتح لي ألف باب)، معارف واسعة جدًّا جدًّا-إلى جانب ذلك هو الذي عرف بإنسانيته العظيمة، بروح التضحية والعطاء والإحسان، فهو مع كونه شخصية عسكرية، إلا أنه محسن، كان أرقى نموذج بين المسلمين، بين تلاميذ رسول الله، بين أتباع رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- في مستوى الرحمة، والإحسان، والحنو، والعطف على الفقراء والمساكين والضعفاء، والأعلى أخلاقاً وتواضعاً وفي تعامله الراقي مع أبناء الأمة، لم يكن شخصيةً فظةً غليظةً من واقع أنه أيضاً شخصية عسكرية كبيرة، فيكون في التعامل مع الآخرين في واقع الأمة، مع إخوته ورفاقه من المؤمنين يتعامل بفظاظة أو بغلظة أو بخشونة. لا، كان مشهوراً جدًّا بأخلاقه العالية، حتى لقد رماه أعداؤه بأن فيه دعابة، وهم يقصدون دماثة الأخلاق واللطف في التعامل، وانعدام حالة الخشونة فيه والجفاء في أسلوبه في التعامل، فكان في تعامله هو ذلك الذي يحمل الابتسامة، ويتخلَّص من حالة العبوس، ويقابل الناس بالبشاشة وبحسن الخلق، كان عليٌ -عليه السلام- لدرجة عالية، ليس هذا فحسب إنما في العطاء، كان هو ذلك الذي وهو صائم ومحتاجٌ إلى الطعام الذي لا يمتلك غيره وقد قدَّمه للمسكين وللأسير ولليتيم؛ فصدَّر القرآن الكريم عنه في سورة الإنسان، حتى اسم هذه السورة التي عبَّرت عن أرقى نموذج إنساني بين أتباع الرسالة الإلهية كان: الإمام عليٌ -عليه السلام- والزهراء -عليها السلام- والحسن والحسين -عليهما السلام- كانوا هم النموذج الراقي المعبر عن الإنسانية في كمالها الأخلاقي والإنساني.
ولذلك الإمام عليٌ -عليه السلام- في كل جانب من جوانب الحياة كان شخصيةً فريدة، نرى فيه عظمة هذا الإسلام، وأثر هذا الإسلام، كيف يصنع من الإنسان إنساناً تتكامل فيه المواصفات الإنسانية والأخلاق الإنسانية، ويتحول بعظمة هذا الدين إلى إنسانٍ له أثره الإيجابي في واقع هذه الحياة، إسهاماته الإيجابية والمثمرة والعظيمة في واقع هذه الحياة، فاستحق الإمام عليٌ -عليه السلام- أن يكون هو- كما عبَّر القرآن الكريم- (الشاهد)، وقُدِمَ له أيضاً وسامٌ آخر في القرآن الكريم هو (صالح المؤمنين)، وآيات كثيرة كان الإمام عليٌ -عليه السلام- أرقى نموذج لمصاديقها، حتى قال ابن عباس: (ما أنزل الله في القرآن {يا أيها الذين آمنوا} إلا وعلي أميرها وشريفها).
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
(الإمام علي السابق والشاهد والامتداد الأصيل لحركة الهداية)
بمناسبة استشهاد الإمام علي -عليه السلام- 1440هـ
مايو 27, 2019م