من أخطر المواقع التي عادةً ما يكون الظلم منها ظلماً كبيراً، وظلماً تتسع دائرته لتشمل أحياناً مجتمعاً معيناً، أو تكثر على كثيرٍ من الأفراد، هو موقع المسؤولية العامة، في الدولة، في أي مسؤوليةٍ من مواقع المسؤولية التي يتحمل الإنسان فيها مسؤوليةً تجاه الآخرين، وبأي مستوى، بأي مستوى: مستوى كبير، مستوى واسع، مستوى أقل، مستوى محدود، ولو في مجموعةٍ واحدة.
موقع المسؤولية هو من المواقع الخطرة والحسَّاسة التي تتطلب أن يكون الإنسان على درجةٍ عاليةٍ من الإيمان وتقوى الله -سبحانه وتعالى-، والاستشعار للرقابة الإلهية، والاستشعار للقاء الله -سبحانه وتعالى-، وأنه سيحاسب، وسيجازى، وسيسأل عما عمل في مسؤوليته تلك، والمسؤولية العامة لمجتمعنا المسلم بشكلٍ عام هي إقامة القسط، أن يكون مجتمعاً قائماً بالقسط قوًّاماً بالقسط، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}[النساء: من الآية135]، مسؤولية يتعاون فيها الذين آمنوا، وتعظم وتكبر هذه المسؤولية على الذين يتبوؤون مواقع المسؤولية العامة، كل من يتحمل مسؤوليةً معينة، في أي مجال من المجالات في موقع القرار، وموقع الإدارة، أو في مجال العمل الأمني، العمل العسكري، في القضاء، في الأعمال الاقتصادية، في المسؤوليات التعليمية... في مختلف المسؤوليات، وفي أي موقع من مواقع المسؤولية، بل كل ما كان موقع المسؤولية أكبر؛ كانت المسؤولية أمام الله -سبحانه وتعالى- أكبر وأعظم.
من المؤسف جدًّا أنَّ أمتنا الإسلامية عانت عبر تاريخها من الظلم ومن الجور وعلى يد حكوماتها المتعاقبة، على يد أمرائها وملوكها وقادتها عبر التاريخ، وكانت الحالات التي هي حالات مختلفة، انطلقت على أساس شريعة الله -سبحانه وتعالى- وتعليماته، ومنهج الإسلام في إقامة العدل، حالات استثنائية في التاريخ، أو في إطارٍ محدود، أو جغرافيا محدودة، أمَّا على المستوى العام، فتعاقبت الكثير من الدول الكبرى في العالم الإسلامي، أو الدول المتفرقة في كثيرٍ من أقطار العالم الإسلامي، ولم تنطلق من خلال رؤية الإسلام ومنهجه العظيم في إقامة العدل، وغابت هذه الرؤية وهذه المنهجية حتى عن المجتمع المسلم في كثيرٍ من الأقطار، وفي كثيرٍ من المراحل التاريخية المهمة؛ ولذلك ساهم هذا الأمر في تصور أو في ترويض المجتمع المسلم وترسيخ تصور سلبي إلى المسؤولية العامة، وغياب المنهجية الإسلامية الحقيقية التي على ضوئها تتمكن الأمة من إقامة القسط، ومن إقامة العدل في الحياة؛ لأن هناك منهجية للإسلام فيها مبادئ، فيها أسس، فيها قيم، فيها أخلاق، فيها تعليمات، هذه المنهجية إذا التزمت بها الأمة، إذا اعتمدت عليها الأمة، إذا قبلت بها الأمة، إذا تحركت على أساسها الأمة، إذا انطلقت من خلالها الأمة؛ تتمكن من إقامة العدل في الحياة إلى حدٍ كبير.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
وما الله يريد ظلماً للعالمين (4) الظلم من موقع المسؤولية.. من أخطر الظلم.
المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة 1441هـ 08-05-2020م.