في زمن هِشام الوالي الأموي يأتي ليقول: واللهِ لا يقولَ لي أحدٌ اتقِ اللهَ إلا ضربت عُنَقَه.
إنظرواهذا النموذج الأموي، انظروا من هو النموذج الأموي، له هذه الرؤية لديه هذا التفكير، ما الذي ينبئ به هذا التفكير، هذه النفسية.
اللهُ يأمر عباده بكلهم بتقواه حتى أنبياءه في القرآن يقول {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ} يوجه خطابه إلَـى المؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}.
وأكثر ما ورد الأمر في القرآن الكريم بالتقوى والتوجيه بالتقوى للمؤمنين أصلاً، للمسلمين أصلاً، هذا لديه التوجه الطغياني {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد} يأتي ليقول (لا يقول لي أحد اتق الله إلا ضربت عنقه) يعني مَن يأمرني بتقوى الله سأقطع رأسه، أقتله، هكذا كانوا.
وماذا يكون في بقية تصرفاته؟!، إنسان من هذا النوع كيف سيكون منهجه في الحكم، تفكيره نظرته للأُمَّـة من حوله إلا ما قال عنه الرسول (اتخذوا دينَ الله دغلا، وعباده خولا) لا يرى فيهم إلا العبيد.
هشام طغى وتجبّر وزاد طغيانه، الإمامُ زيدٌ عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ تجاه هذا الواقع بكله تحَـرّك حفيدُ الحسين عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ امتداداً لثورة جده، لمنهجه، لمبدئه، للدافع الإيماني ذاته، تحَـرَّكَ عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ وكانت حركتُه إنما تعبر عن مبادئ الإسْـلَام، لم تكن نظرة شخصية أَوْ موقفاً شخصياً لاعتباراتٍ شخصية نهائياً، إنما كانت ترجمة عملية لتوجيهات الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَـى في كتابه الكريم، ولذلك كان يقول: (واللهِ ما يدعُني كتابُ الله أن أسكُتَ وقد خُولف كتابُ الله).
ما يدعني كتابُ الله أن أسكت، توجيهاتُ الله في القرآن، إنها توجيهات كلها تقوم على أساس استنهاض الأُمَّـة وتحريك الأُمَّـة في موقع العمل وفي ميدان المسؤولية.
الإمامُ زيدٌ عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ باتت حركته وثورته منهجاً ومشروعاً كبيراً امتدت في أوساط الأُمَّـة، ليس مقامه فقط في مقام محاضرة، أَوْ في حديث في كلمة، ولكن يمكن أن نأخُذَ جانباً واحداً من جانب حركته عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ.
الإمامُ زيدٌ عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ مما حرص عليه وسعى له، إحياء مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ إسْـلَاميٌّ مهم وفريضة إسْـلَامية عظيمة ومهمة، من أعظم فرائض الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَـى، كما قال عنها الإمام علي عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ (بها تقام الفرائض).
الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر مسؤولية أساسية من صميم مسؤوليات الأُمَّـة، ومسؤولية إيمانية ودينية فرضها الله على عباده.
اللهُ سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَـى قال في كتابه الكريم {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}.
اللهُ سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَـى قال في كتابه الكريم {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}.
الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَـى قال في كتابه الكريم في آية مهمة يتضح لنا مقدارُ أهمية هذه الفريضة كمسؤولية مهمة في دين الله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيم}
وأتت هذه الآية في موقع مُهِمٍّ في سورة التوبة في سياق المقارنة والفرز داخل المجتمع الإسْـلَامي بين خط الإيمان وخط النفاق فتحدث عن المؤمنين والمؤمنات باعتبارهم من مسوؤلياتهم الإيمانية، التي هي بحُكم إيمانهم، التي هي ترجمة لإيمانهم، ترجمة عملية لإيمانهم، التي هي محك للمصداقية في الانتماء الإيماني {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} يتّجهون في حمل المسؤولية مع بعضهم أمة واحدة متعاونة متكاتفة يأمرون وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة، إن تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الآية قبل الحديث عن الصلاة، وفي أولويات ما وصفوا به، له أهمية كبيرة ومدلول مهم جداً.
يأتي ليقولَ قبل أن يتحدثَ عن صلاتهم عن إقامة الصلاة {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} بعدها {وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} بعدها وصفاً عاماً {وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ} هذا يدلل ويبين ويوضع ويكشف عن مدى الأهمية القصوى لهذه الفريضة؛ لأنه هنا أتى بها قبل الصلاة، وقبل الزكاة؛ لأنه بدون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يبقى للصلاة تأثيرٌ في واقع الأُمَّـة، لا يبقى للزكاة تأثير إيجابي في واقع الأُمَّـة، كُلّ الفرائض الإسْـلَامية من الصلاة إلَـى غيرها لا يبقى لها إلا التأثير المحدود والبسيط والمتواضع، هي مع المسؤولية هذه لها تأثيرٌ فعال، وعظيم ومهم جداً، لكن تفريغ الإسْـلَام وتفريغ الانتماء والهُوية الإيمانية بمسؤولية كهذه يضرب بقية الفرائض.
نجد أنه في الإطار الآخر حينما يتحدَّثُ عن المنافقين كيف يصفُهم، قبل هذه الآية بآيات.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
من خطابُ السيّد / عبدالملك بدرالدين الحوثي / حفظه الله - في ذكرى استشهاد الإمام زيد 1438هـ.