الذي حصل في واقع الأمة من مرحلة مبكرة، ما بعد مرحلة نشوء الكيان الإسرائيلي واغتصابه لأرض فلسطين، وللمقدسات في فلسطين، ما عدا مرحلة معينة كان فيها لا بأس بعض المواقف والمواجهات، وبالذات عندما سعى العدو الإسرائيلي للتوسع في البلدان الأخرى، ولكن من مرحلة مبكرة انقسم واختلف الموقف في ساحتنا العربية والإسلامية، ويمكن أن نصنف هذه الحالة من الانقسام والتباين تجاه القضية على ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: الاتجاه المقاوم، والمتمثل بالمقاومة الفلسطينية، والمقاومة اللبنانية، وهذا الاتجاه هو الاتجاه الذي استمر بفاعلية في التصدي للخطر الإسرائيلي، والتهديد الإسرائيلي، والذي حد من توسع هذا التهديد نحو البلدان الأخرى، والذي مثَّل خندقاً أمامياً ومباشراً في وجه العدو، وحظي بدعمٍ من دول محدودة، يعني من إيران كداعم رئيسي للمقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، ودعماً في الوسط العربي يمكن أن نقول: من سوريا في مستوى معين، ودعماً هامشياً أو بسيطاً من دول هنا وهناك، لكنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب، ولا يرقى إلى مستوى المسؤولية التي على هذه الأمة، ومثَّل هذا الاتجاه أهميةً كبيرةً جدًّا في الدفاع عن الأمة بكلها، والتقليص من هذا التهديد فيما يشكِّله من خطورةٍ على الأمة جميعاً، على المسلمين جميعاً، على العرب جميعاً، لولا هذه المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي انشغل بها العدو، وغرق معها العدو إلى حدٍ كبير في المواجهة والصراع، ولو كان العدو متفرغاً ليس أمامه هذا السد المنيع؛ لكان واقع المنطقة اليوم مختلفاً إلى حدٍ كبير، لكانت إسرائيل تمكَّنت بالفعل من التوسع في السيطرة المباشرة والاحتلال المباشر إلى أقطار أخرى، ولكان نفوذها وسيطرتها في العالم العربي في المقدمة على نحوٍ خطيرٍ جدًّا، ومختلفٍ عما عليه الحال اليوم.
الاتجاه الآخر في واقع هذه الأمة كان هو اتجاه الخذلان والجمود، وشمل شعوباً متعددة، ومساحة واسعة من جماهير الأمة وأبنائها، ممن هم: إما يعيشون حالة التكبيل والقيود، مكبلين ومقيدين من أنظمتهم وحكوماتهم وزعاماتهم التي تبنت هذا الموقف: موقف الخذلان تجاه القضية الفلسطينية، ما عدا إطلاق مواقف شكلية بين الحين والآخر، ومواقف أشبه ما تكون بالعمليات التجميلية في مراحل معينة، مثل: بيانات إدانة في بعض الأحيان، أو تقديم مساعدات بسيطة جدًّا، أو نحواً من هذه المواقف الشكلية التي تعوَّدنا أن نسمعها في قمةٍ هنا أو قمةٍ هناك، أو مناسبة بين الحين والآخر، ولكن لا تتجاوز كونها مواقف شكلية جدًّا، وبسيطة للغاية، ولا ترقى إلى مستوى الموقف الداعم والمساند بما تعنيه الكلمة، ونشاهد هذا مثلاً في دول الخليج وفي دول أخرى ممن تعيش شعوبهم حالةً من التكبيل والتقييد والصمت العام، الطابع العام على الموقف هو هذا: صمت شامل وكامل تجاه ما يجري، لا يجرؤون على أن يكون لهم موقف، أو أن يعلنوا موقفاً.
وتطوَّر هذا الموقف في بعضٍ من الدول إلى مسارٍ ثالث هو: التواطؤ، يعني: حالة الخذلان وحالة الجمود والركود هي منتشرة، وتشمل قطاعات واسعة من أبناء الأمة، البعض بفعل أنهم وصلوا إلى حالة من الضعف الإيماني مات فيهم روح الشعور بالمسؤولية، والبعض خوفاً من حكوماتهم وأنظمتهم، ويعانون من حالة الاستبداد والقمع والإذلال، ولا يجرؤون على أن يتخذوا أي موقف خارج إطار الموقف الرسمي، ولكن- كما قلنا- تطوَّر اتجاه ومسار ثالث هو: مسار التواطؤ مع العدو الصهيوني، وهذا المسار برز في المرحلة الأخيرة، وتطوَّر ليكون أكثر من التواطؤ في المرحلة هذه، ليصل إلى درجة التحالف مع إسرائيل، والتعاون مع إسرائيل، وإعلان مواقف سلبية من المقاومة في فلسطين، والمقاومة في لبنان، موقف يشابه الموقف الإسرائيلي في إدانة المقاومة، وفي اعتبارها إرهابية، وفي التحريض عليها، وفي التأليب عليها، وفي محاولة المؤامرة عليها، والتضييق عليها بأشكال متعددة، وشن حرب إعلامية كبيرة عليها.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة يوم القدس العالمي 1440هـ يونيو 2، 6, 2019م.