ثم أتى التحذير من الفتنة، وأنَّ هذا النوع من الناس المتنصلين عن المسؤولية، المتهربين من الاستجابة لما فيه حياة الأمة، لا بدَّ لهم من هذه الفتنة، والفتنة- كما أشرنا في حديثنا بالأمس- لها أشكال كثيرة؛ وإنما أعدنا التذكير لأهمية هذه المسألة، وللربط ما بينها وبين ما سيأتي في الآية القرآنية التي نتحدث عنها في درس اليوم.
الفتنة لها أشكال متعددة، منها: الزيغ، أن يخذلك الله، وأن يزيغ قلبك نتيجةً لهذا الخذلان والعياذ بالله، فربما تتغير فكرتك بالكامل، ربما تتحول إلى إنسان مؤيدٍ للباطل، ربما تتحول إلى إنسان معارض للحق، وبالخذلان والزيغ ترى في الحق باطلاً، وفي الباطل حقاً، تميل إلى أعداء الأمة، تنظر نظرةً سلبيةً ومعقدة تجاه الأمة، وتجاه الذين آمنوا، تجاه الذين يتحركون في إطار الاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى- لما فيه حياة الأمة، بل ترى في جهودهم واهتماماتهم وأعمالهم، ترى فيها أعمالاً غير إيجابية، وتنظر إليها بسلبية شديدة، هذا من الفتنة، من الخذلان.
قد تكون الفتنة في الواقع العملي: أن تغرق في مشاكل شخصية وهامشية، تعطيها جهدك، واهتمامك، وتوجهك، في الوقت الذي انصرفت فيه كلياً معرضاً ومتجاهلاً للمسؤوليات الكبرى، وابتعدت عن الاستجابة العملية لما فيه حياة الأمة، فاتجهت بدافع العقد الشخصية، وبدافع النظرة الأنانية الضيِّقة لاهتمامات أخرى، تثير فيها إشكالات، وتصنع فيها جواً سلبياً، وتساهم فيها سلباً بدورٍ تخريبي في داخل الأمة، وهذه من الفتنة.
أيضاً على المستوى الجماعي، قد تتخاذل منطقة معينة، أو مجتمع معين، فلا يتحركون للاستجابة العملية فيما فيه عزة الأمة، وقوتها، وحياتها، حياة الإيمان والعزة والكرامة، ثم يغرقون في مشاكل اجتماعية، وصراعات تافهة، يمكن حلها بأبسط الأمور: بالصلح والتراضي، أو بالحكم الشرعي (القضاء)، لكنهم غرقوا في هذه المشكلة، وفي هذه المشكلة، واستُنزفوا فيها، وقد يتجه البعض في هذا النوع من الفتن بنشاط، باهتمام، بجد، بجرأة، بشجاعة، بتضحية، ببذل، بتقدمة، في الوقت الذي هو متكاسل، متخاذل، جامد، بخيل، جبان، تجاه القضايا المهمة والمسؤوليات الكبرى، التي فيها الحفاظ على عزة الأمة، واستقلالها، وكرامتها، وحيويتها، في هذا الاتجاه يفقد كل العناصر اللازمة للتحرك، فلا هو سخيٌ، ولا هو شجاعٌ، ولا هو جريءٌ، ولا هو نشيط، لكنه في الاتجاهات السلبية يبرز كفارس من فرسان الميدان، وسبَّاق، ومبادر، ونشيط، ومهتم، وتتحرك عنده المشاعر السلبية جدًّا: مشاعر الكبر والغرور، فيزداد سوءاً إلى ما هو عليه.
أشكال الفتنة أشكال كثيرة وخطيرة، وهي النتائج الحتمية لعدم الاستجابة لله والرسول فيما فيه حياة الأمة، فالإنسان إذا لم يتجه هذا الاتجاه الإيجابي، فيكون هو الذي يعطيه فكره، اهتمامه، جهده، نشاطه، يبني عليه مسيرته العملية؛ فسيتجه الاتجاه السلبي، الإنسان لا يبقى في حالة فراغ، حتى البعض ممن يفكر في مرحلة من المراحل بالتقاعد عن واجباته الدينية والإيمانية والجهادية، نتيجة مشاكل معينة، أو عقد معينة، أو ظروف معينة، قد يخيل إليه- في بادئ الأمر- أنه سيجلس بشكل عادي، قد لا يمكن ذلك، قد لا يتهيأ له ذلك؛ لأنه سينشغل بتبرير موقفه، عملية التبرير هذه يحتاج فيها إلى سلبيات كبيرة، إلى ذنوب كبيرة: يحتاج فيها إلى توجيه الإساءات والتهم إلى الآخرين، تهم ظالمة، وإساءات كبيرة وظالمة، يحتاج فيها إلى تقديم مسوغات للقعود والتنصل عن المسؤولية، وأي مسوغات للقعود والتنصل عن المسؤولية هي تعارض القرآن الكريم؛ لأن توجيهاته توجيهات عملية، تحريك، فعندما يتحرك بهذا الشكل هو يتجه بعيداً عن القرآن الكريم، عن هديه ونوره، عن توجيهات الله فيه، ثم يتجه- فيما بعد ذلك- سلباً، مع الفراغ يبدأ يتحرك: إمَّا بالتناجي بالإثم والعدوان والمعصية والإساءة، وإمَّا بنشر حالة من التذمر والاستياء، ولعب دور تخريبي في الواقع، وهذه من الفتنة التي قد يقع فيها الإنسان عندما يفقد استجابته العملية لله -سبحانه وتعالى-، وينصرف ويبتعد عما فيه حياة الأمة، وعزتها، وقوتها، وكرامتها.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
يوم الفرقان (6) الفتنة أخطر عقوبة. والخيانة ونتائجها المدمرة.
المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون: 1441هـ 16-05-2020م.