بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
أي شيء مهما كان مهماً، مهما كان عظيماً لا بد أن يسمع الإنسان حوله كلاماً معاكساً، كلاماً مثبطاً، كلاماً مشوهاً، والقرآن الكريم عرض علينا نماذج مما حصل، القرآن الكريم هو كتاب من عند الله سبحانه وتعالى وهو أعظم كتبه التي أنزلها إلى عباده، ماذا قال الآخرون في مقابلة القرآن؟ ماذا قالوا؟ {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} (المدثر: 24) {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الفرقان: 5-6) جاء الأنبياء من عند الله سبحانه وتعالى نعمة للبشر، هدى للعالمين، كل أمة كان يأتي من بينها نبيها، وقد يكون الكثير يقول للنبي الذي هو أكمل الناس عقلاً وأزكاهم نفساً: مجنون, شاعر، مفتري، كذاب، ساحر.
هذه أيضاً عرضها القرآن الكريم؛ لأنه لم يحدث أن أرسل رسولٌ إلى أمة إلا وجاء من بينها من يقول: مجنون أو ساحر {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} (المؤمنون: من الآية 24) أن يتكبر عليكم.
العبرة في هذا هو أن تفهم أنه من الطبيعي أن يقال أمام كل شيء مهما كان عظيماً أن تسمع كلاماً يعمل على الحط من مكانته وتشويهه وإبعاد الناس عنه، ماذا قالوا لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو سيد البشر، سيد الأنبياء والمرسلين الكامل في نفسه، الزاكي في نفسه الحريص على هداية البشر، الناصح العظيم لهم قالوا عنه: [مجنون، مفتري، ساحر، شاعر، كذاب، مفتري على الله] يسخرون منه أحياناً {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً. إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} (الفرقان: 41-42) لقد كاد أن يغوينا لولا أننا كنا رجالاً وتمسكنا بآلهتنا.
هذا الموضوع طرحناه سابقاً وقلنا أنه من العجيب أن نكون نحن المسلمين من لدينا كتاب الله سبحانه وتعالى هذا الدين العظيم دين الإسلام ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم لا يحصل لدينا حمية لهذا القرآن ولذلك النبي العظيم ولهذا الدين العظيم مثل ما كان يحصل عند بعض عبّاد الأصنام، ذكرنا لكم قصة قوم إبراهيم عندما كان يسرح كل واحد منهم يقطع حطباً حتى جمعوا جبلاً من الحطب... اهتمام، {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} (الأنبياء: 68) ليس الوقت وقت نوم الأصنام في خطر، وهم منذ لحظات رأوا أصنامهم محطمة.
كذلك هؤلاء في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} (الفرقان: 41-42) لو لم نقف وقفة رجال عندها لكسرها {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} (ص: من الآية 6) امشوا، تحركوا، واصبروا على الآلهة، جاهدوا في سبيلها، كافحوا في سبيلها، لا تتركوها تتعرض لأي كلام يصرف الناس عن عبادتها، وهي أنها أحجار مركزة أو أخشاب مركزة مالها قيمة، فكيف بالمسلمين وإلههم رب العالمين الذي سيقف معهم إذا وقفوا، سينصرهم إذا نصروه، سيضربهم إذا توانوا.
نرجع إلى أصل الموضوع، وهو أنه هكذا تسمع في كل زمان أمام كل عمل مهما كانت الأمة في أمس الحاجة إليه في أي مرحلة من مراحل تاريخها، ومن أي جهة يكون مهما كانت عظيمة لا بد أن يأتي من هنا وهناك من يتكلم، من يثبط، من يشوه، من يحارب، هذا شيء ذكره القرآن الكريم ولم تكن آية أو آيتين بل في آيات كثيرة، لأن معرفة هذا نفسه يمثل جانباً مهماً من وعي القضية وفهمها، أن تعرف أنك قد تسمع كلاماً على هذا النحو ومن جهات أخرى، فليكن لديك، ولتكن على مستوى تجعل ذلك الكلام لا أثر له عندك.
الكلام لا يخلو عن: إما أن يكون تخويفاً, أو يُقدم بأسلوب نصح من جانب الذين يواجهون أي عمل مهما كان عظيماً، فليكن لديك قاعدة ثابتة عندما يخوفونك هي أن الله هو الذي يجب أن تخافه، الذي يجب أن تخشاه لأنه هـو القادر على أن يضر بك ولا يحول أحد دون إرادته فيك، هـو الذي يمتلك جهنم، هـو الذي بيده جهنم - الذي يخوفك بأي شيء آخر - هل هناك ما يمكن أن يرقى إلى درجة البقاء يوماً واحداً في جهنم؟. ليس هناك أي شيء يساوي غمسة واحدة في نار جهنم. إذاً تخوفني بماذا؟ يجب أن أخاف مَن لا أستطيع أنا ولا غيري يستطيع أن يصرف عني عذابه وسخطه ومقته.
كان جواب نبي الله إبراهيم عندما كانوا يخوفونه بأنه ستضره الأصنام, سيحصل عليه كذا: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ (الأنعام: من الآية 81). تخوفوني بماذا؟. أنتم الذين يجب أن تخافوا وأنتم تشركون بالله، أنتم من تتعرضون للخطورة العظيمة لنار جهنم ولسخط الله.
لاحظوا نبي الله إبراهيم كيف كان إنساناً واعياً على درجة عالية من الوعي، انطلق من مقاييس المقارنة، من قواعد ثابتة لديه، يخوفونه بهذا ويخوفونه بهذا، وكل تخويف يبدو تخويفاً بشيء لا يشكل خطورة مع المقارنة بما يجب أن نخافه من قِبَل الله سبحانه وتعالى {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ أنت تريد أن تخوفني من أجل أن تدفع بي إلى جانب الأمن، أليس كذلك؟. وأنا أخوفك بالله أريد أن أدفعك إلى جانب الأمن {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ أي الفريقين يصح أن يقال: هو الآمن؟ من يكون في واقعه آمناً من عذاب الله وسخطه أو من يحاول أن يأمن من عذاب الناس وسخطهم، ويوقع نفسه في عذاب الله وسخطه، هل هو أَمِنَ؟ لم يأمن، أمن من شيء في الواقع لا يقارن بينه وبين ما يمكن أن يحصل من قبل الله؛ ولهذا جاءت الآية بالسخرية من التخويف بشيء من دون الله {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} (الزمر: من الآية 36) يخوفنك بأنه سيحصل عليك كذا وكذا، تهديد من قبلهم أو سيحصل عليك من الأصنام ما يضرك، لا، أي تخويف بشيء من دون الله لا يشكل خطورة.
فالآمن هو من يأمن من عذاب الله وسخطه، وكل شر وكل عذاب، وكل أمر مخوف هو دون جهنم لا قيمة له، بل هو بالنسبة للواعين الفاهمين للخطورة العظيمة التي يجب أن يأمنوا منها، أنه إذا لم يحقق له الأمن من عذاب الله إلا أن يخوض هذه الغمار التي تبدو مخيفة للكثير، يخوضها بارتياح؛ لأنها لا تشكل شيئاً بالنسبة لما يخاف منه، وسيكون خوضها مما يحقق له الأمن يوم القيامة، الأمن من نار جهنم، الأمن من أهوال القيامة، الأمن من شدة الحساب؛ ولهذا قال الله لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليخاطب الناس {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأنعام: 15) هذا الذي يخيفني، فلا بد أن أنطلق في طاعته، وفيما يحقق لي الأمن من ذلك الشيء المخيف من نار جهنم، مهما كان الأمر، لا يقعد بي أي أمر مخيف من أمور الدنيا، أي شيء مخيف على أيدي الآخرين، أو ألسنة الآخرين {أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
هذا فيما يتعلق بجانب التخويف أن يكون لديك قاعدة ثابتة من ينطلق ليخوفك كيفما كان هدفه من تخويفك، فارجع إلى القرآن الكريم تعرف ما هو الأمر الذي يجب أن تخافه فعلاً وبيد من هو؟ هذه واحدة، تتأمل في القرآن الكريم عندما يتلو الإنسان القرآن الكريم تجد ما كان يحصل من تخويف للأنبياء للمصلحين، وكيف كانوا يواجهون من يخوفونهم بأنهم يخوفونهم بلا شيء بما ليس مخيفاً مقارنة بما يجب أن نخافه مما هو بيد الله، الله القاهر فوق عباده، الذي لا يستطيع أحد أن يحول بينك وبين أن يوقعك في هذا الأمر المخوف، نار جهنم.
أليس الإنسان يولد رغماً عنه؟ ثم يموت رغماً عنه؟. وستبعث رغماً عنك، وتساق إلى المحشر رغماً عنك، وتساق إلى جهنم إذا كنت من أهلها رغماً عنك، من الذي يستطيع أن يسحبك من أيدي الملائكة وهم يسوقونك إلى جهنم؟ لا أحد؛ لأن من كان يملك أعظم قوة في هذه الدنيا سيأتي يوم القيامة وهو في حالة رهيبة {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (البقرة: 166) كل واحد يكون مشغولاً بنفسه، من كان هنا يمثل في الدنيا قوة جبارة من المجرمين سيأتي يوم القيامة وهو أكثر الناس خوفاً ورعباً وانشغالاً بنفسه.
فالقرآن الكريم يثقفنا ويعلمنا كيف يجب أن نواجه من يخوفنا بما دون الله، هذه واحدة؛ لأنه في هذا الجانب الله هو الجبار، الله هو الذي بطشه شديد {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (البروج: 12).
ثم لنعد إلى الجانب الأخر الذي قد نفسر به كلام من يتكلم معنا ليثبطنا عن أي أمر من الأمور التي هي طاعة لله سبحانه وتعالى، وأداء لمسؤوليتنا أمامه في مقام نصر دينه أن يكون يتحدث معك من جانب أنه ينصح، وأنه شفيق عليك، وأنه رحيم بك، فتأتي شفقته ونصحه ورحمته بك متركزة على أن لا تتحرك في أمر من هذه الأمور.
نعود إلى القرآن الكريم لنحصل من خلاله على ما يجعلنا واعين أمام هذا الطرح، القرآن يعلمنا بأن الله الذي يأمرنا ويرشدنا لمختلف الأعمال الصالحة مهما بدت أمامنا ثقيلة على أنفسنا أنه فيها ومن خلالها تتجسد رحمته بنا، أليس هو الرحمن الرحيم؟ هو الرحيم بعباده، هو الناصح لعباده، هو اللطيف بعباده، هو الخبير بما يصلح عباده، إذاً أثق, أثق فعلاً لأقُول لأي شخص - سواء قلت له مشافهة أو أقول له بلسان الحال - : إن الله هو أرحم بي منك، الله هو أنصح لي منك حتى وإن كنت رحيماً وإن كنت ناصحاً فقد توقعني في الهلكة من حيث لا تشعر، أما الله سبحانه وتعالى فهو رحيم بعباده رحيم بنا، وهو الذي يعلم ما هو فعلاً رحمة بنا ويحقق لنا الأمن.
هناك في القرآن الكريم - إذا كنت تتدبر آياته وتعي وتفهم، وتريد أن يكون لك موقف في هذه الحياة - ستجد من خلاله ما يحول بينك وبين أن تتأثر بأي كلام يقال للتثبيط أو للصرف عن قضية يصورها لك بأنها تبدو غير ذات أهمية. مثلاً ولاية الإمام علي عليه السلام قد يأتي من يقول: [ما أهمية قضية ولاية الإمام علي بن أبي طالب في إعطاء عمل معين إيجابية كبرى؟ أو في حل مشاكل المسلمين في هذا العصر الذي بينه وبين علي ألف وأربع مائة سنة؟ علي الله يرحمه قد قتل ذاك اليوم، ونحن نتولاه، لكن لا نشغل أنفسنا بأولئك أو نفرق الآخرين عنا من أجل علي أو.. أو..] كان يأتي كلام مثل هذا، بل أمام أهل البيت متى تحدث الإنسان عن أهل البيت يقول: [ليس وقت الحديث عن أهل البيت نحن مشغولون بالناس] أليس هكذا يحصل؟. يتكلم معك عن قضية هي مهمة ليصرفك عنها وقد يكون بحسن نية، لكنه كلام ينبئ عن جهل بأهمية الأمور وعلاقة بعضها ببعض: [ما هو وقت الحديث عن هذا الموضوع، سننفر هذا، وذا يزعل منا، وذا يرح مننا، وستجلب علينا مشاكل، المفروض الآن نمشي في عملنا ما هو وقت ذا]. ما هي أعمالك؟ أعمالك لا تمشي إلا بهذا الشيء الذي تريد أن ترمي به بعيداً عنك.
علي عليه السلام كما تحدثنا بالأمس حول عمل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في خيبر وقلنا أكثر من مرة بأن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان في حركاته إنساناً واعياً على أرقى مستوى يعطي الهداية من كل حركة من حركاته. لمن؟. للأمة كلها، لم يكن فقط همه تلك المجاميع من البشر في عصره في سنوات معدودة محدودة من عمر هذه الأمة، كان ينظر إلى الأمة بكلها ليرسم لها طريق الهداية، ألم يكن الإمام علي عليه السلام) في أيام خيبر مصاب بالرمد لا يبصر موضع قدميه وهناك من أعينهم مفتحة، هناك من أعينهم سليمة ليقول للأمة أنها بحاجة إلى علي حتى وإن بدت - باعتبار وضعيته - غير محتاجة إليه فليس صحيحاً.
أرسل أبا بكر فعاد منهزماً - والقضية هي في مواجهة اليهود - أرسل عمر فعاد منهزماً كذلك، ثم أرسل إلى علي ونادى بعلي وهو أرمد، كيف يكون الرمد نفسه يعطينا هداية، الرمد وهو مرض يتعرض له الإنسان، أن يُصاب الإمام علي بالرمد في تلك الأيام لها دلالتها المهمة في واقع الحياة بالنسبة للأمة، أولئك الذين أعينهم سليمة كثيرون لكنه لا بد من علي.
ومن يقول: [نحن الآن مشغولين بمواجهة إسرائيل وأمريكا لسنا مشغولين بعلي، علي سلام الله عليه قد قُتل ذالك اليوم ونحن نحبه، ومع السلامة، نحن مشغولون بعمل، ونحن مشغولون بالإسلام ومشغولين بمواجهة أمريكا وإسرائيل]. هذه هي جهالة، أن يكون علي قد مات بالنسبة لنا كما كان أرمد في خيبر بالنسبة لأولئك، ستحتاج الأمة إلى أن تتولى علياً وإن كان علي قد تحول
للإطــلاع على الملـزمـة بشـكل كـامـل
شـاهـد المـرفقات....
الملفـات المرفقة | |
---|---|
ملزمة دروس من هدي القرآن الكريم - سورة المائدة- الدرس الثاني |