البعض من الناس قد ينطلق في البداية ويكون في سعيه، في اهتمامه، في نيته، أن يسعى إلى إقامة الحق، إلى إقامة العدل، ولكنه عندما يصل إلى موقع من مواقع المسؤولية، في أي مجالٍ من المجالات، ثم يعيش تلك الظروف التي تأتي عادةً والإنسان في موقع المسؤولية، الناس يمدحونه، والبعض ينظرون إليه بإكبار، وهو يرى نفسه أنه أصبح في جو المسؤولية في وضعٍ مختلفٍ عمَّا كان عليه سابقاً، فيأتي الغرور، ويأتي الشيطان، ويأتي العجب، وتأتي الأطماع، وتأتي الأهواء النفسية، هذه حالة خطيرة جدًّا، نجد في القرآن الكريم تحذيراً عجيباً، يقول الله -سبحانه وتعالى- لنبيه محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- ولكل المؤمنين: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[هود: الآية112]، الاستقامة وفق أوامر الله، وفق توجيهات الله -سبحانه وتعالى-، هي ما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان المسلم في كل مسيرة حياته، وفي أي واقعٍ كان، وفي أي موقعٍ من مواقع المسؤولية كان، أن يتمسك بأوامر الله وتوجيهات الله، وأن يستشعر دائماً أنه عبدٌ لله، مأمورٌ، عليه أن يخضع لأوامر الله -سبحانه وتعالى-، إذا أصبح الشعور عنده أنه مجرد آمر يصدر الأوامر، فهذا الشعور قد يعزز في نفسه الطغيان، أنه أصبح صاحب قرار، وصاحب أوامر، فقط يأمر ويصدر الأوامر، ليس في موقع أن يتلقى الأوامر، في أي مسؤوليةٍ أنت أنت لا تزال عبداً لله -سبحانه وتعالى-، وعليك أن ترسخ في نفسك أنك مأمور، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ}[الزمر: الآية11]، هذا ما كان يعلم به حتى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ}، لا تزال عبداً لله ومأموراً، وعليك أن تخضع لأوامر الله -سبحانه وتعالى-، وأن تطبقها، وأن تلتزم بها، وأن ترسخ في نفسك أنك متلقٍ لتوجيهاته وتعليماته -سبحانه وتعالى-.
من أخطر الأشياء على الإطلاق إذا فقد هذا الشعور الإيماني: أنه مأمور، واستبدله بشعور أنه آمر، وأنه الذي فقط يصدر الأوامر ويقول ولا يتلقى شيئاً ولا يتقبل شيئاً، هو الشعور الذي ينشأ عنه الطغيان، وينتج عنه الطغيان، حالة خطيرة للغاية.
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا}؛ لأنه بعد التمكين، بعد أن يكون الإنسان في موقع المسؤولية الكثير من الناس تحصل عندهم حالة الطغيان، يدخل هذا الاختبار، وهو اختبار مهم، واختبار كبير، واختبار خطير، فلا يسيطر على مشاعره، لا ينمّي إيمانه، لا يجعل من ذلك الموقع موقعاً لعبادة الله -سبحانه وتعالى-، يجسد فيه قيم الدين، قيم الإيمان، وينمّي في نفسه القيم الإيمانية؛ فتأتي عوامل ودوافع الطغيان، يرى نفسه متمكناً، والبعض إذا أحس نفسه بأنه متمكن طغى، كان عجزه مثلاً في مراحل ماضية، كانت ظروفه في مراحل ماضية تساعده على أن يبقى إنساناً عادياً، لكنه عندما تمكن، إما إمكانات مادية، أو إمكانات عسكرية، أو إمكانات أمنية... أو إمكانات بأي شكلٍ من الأشكال؛ حصل عنده الطغيان؛ فطغى وتجبر وتكبر، وتجاوز الحد، وخرج عن دائرة الانضباط والالتزام والامتثال لأوامر الله وتوجيهات الله -سبحانه وتعالى-.
البعض بمستوى أن يكون آمراً على مجموعة قد يحصل عنده الطغيان، قد يشعر في نفسه بالزهو والكبر والغرور؛ وحينها يصدر منه الظلم في معاملاته، في سلوكه، في تصرفاته، وكلما كبرت المسؤولية كان الموضوع أخطر وأخطر وأخطر، وكان الإنسان أكثر حاجةً إلى تعميق وترسيخ المشاعر الإيمانية، ومشاعر الخضوع لله، والامتثال لأوامر الله وتوجيهات الله -سبحانه وتعالى-، والحذر- في نفس الوقت- من البواعث النفسية، ومن الروح الانتقامية،
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
وما الله يريد ظلماً للعالمين (4) الظلم من موقع المسؤولية.. من أخطر الظلم.
المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة 1441هـ 08-05-2020م.