بعد عملية الجمع والتنظيم والترتيب تبدأ عملية الحساب، وأول إجراء من إجراءات عملية الحساب نفسها هو: توزيع الصحف (الكتب) الصحف هي نفس الكتب، كل إنسان له كتاب لأعماله، وقد يكون هذا الكتاب كتاباً مرئياً، أشبه ما نرى في الفيديو من أشياء توثَّق، أعمال أو تصرفات توثَّق بالفيديو فيرى الإنسان صوتاً وصورة.
كتاب الإنسان يوم القيامة كما قال الله عنه: { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا[الإسراء: 13-14]، الإنسان في هذه الدنيا في كل ما كان يعمل، وفي كل ما كان يقول، هو الذي سجل على نفسه كل تلك الأعمال، تصرفاتك وأعمالك أنت الذي سطرتها بحيث كانت توثق عليك، الله أحاطنا في هذه الحياة بالحفظة الذين يكتبون كلما نقول وكلما نعمل، ونحن كنا من نقدِّم كل ذلك الذي وثقوه، هم كانوا يقومون بعملية توثيق فقط؛ أمَّا نحن فأعمالنا هي التي تحدد ذلك المصير بكله، وهي التي توثقت فكانت: إمَّا خيراً لنا، أو شراً علينا.
الله -جلَّ شأنه- قال في كتابه الكريم: {[الانفطار: 10-12]، رقابةٌ مستمرة على الدوام، لا تنقطع أبداً على مدى الأربع وعشرين ساعة، في كل لحظةٍ من تلك اللحظات لا يغيبون عنك، ولا يغفلون عنك، لا يمكن أن يناموا فلا يدرون ولا يعرفون ماذا فعلت، ولا يسجِّلون عليك عملك، ولا يمكن أن يغفلوا أو أن ينشغلوا بأشياء أخرى، أو أن ينهمكوا في الحديث فيما بينهم فلا يدركون ما تقول. أبداً، رقابةٌ مستمرةٌ عليك وبإدراك، الله -جلَّ شأنه- زوَّدهم بكل ما يتمكنون به من القيام بمهمتهم على أكمل وجه، وجعلهم هم فيما خلقهم وفيما مكَّنهم بالمستوى الذي يتمكنون فيه من إنجاز هذه المهمة بدقة، فلا يفوتهم شيء، ولا يغيب عنهم شيءٌ من أقوالك ولا من أعمالك.
الله -جلَّ شأنه- قال في كتابه الكريم: {[ق: 17-18]، ما أكثر ما ينسى الإنسان هذه الرقابة، الكثير من الناس في كثيرٍ من أحوالهم ينسون هذه الرقابة، ينسون هذا الحضور لملائكة الله الذين يسجِّلون كلما تقول، وكلما تعمل، وكل تصرفاتك.
البعض من الناس إذا كان في خلوةٍ لوحده منفرداً، يشعر وكأنه لا رقيب عليه، حينها يتجرأ على المعاصي، قد يكون الإنسان في غرفته الشخصية يعمل على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتخيل ألَّا أحد يعرف بتصرفاته تلك، ولا يطَّلع على ما يكتب وعلى ما يدخل فيه من أشياء سيئة، من معاصي تغضب الله -سبحانه وتعالى- من انهماك فيما يجره إلى الفساد، من اتِّباعٍ لخطوات الشيطان؛ لأنه يتخيل نفسه وحيداً كان جريئاً، جريئاً يكتب أي عبارات مهما كانت سيئة، مهما كانت معصية، يقول أي شيءٍ مهما كان باطلاً أو كان فاسداً، هذه الحالة من الجرأة؛ لأنه رأى نفسه وحيداً وظن ألَّا أحد يراه، ظن أن لم يره أحد، وبذلك كان جريئاً.
في كثيرٍ من أحوال الإنسان وهو يطمئن من المساءلة والحساب؛ إمَّا لأنه في موقع سلطة أو وجاهة اجتماعية، أو لأنه مشرف، أو لأنه شخصية معينة، يطمئن أن لا مساءلة، يغفل أنه سيسائل، وأنَّ عمله محصيٌ عليه، في كثيرٍ من الحالات إذا اطمأن الإنسان من أن هناك من سيشهد عليه، أو سيشي به، أو سيخبر عنه، إذا اطمأن من ذلك يتجرأ، كل هذه الحالات من حالات الغفلة، غفل الإنسان فيها عن أهم من هو رقيبٌ عليه وهو الله -سبحانه وتعالى- وبرقابة الله -سبحانه وتعالى- المباشرة التي تصل إلى ما يوسوس به الإنسان لنفسه، رقابةٌ من الله إضافية هي: أولئك الحفظة الكرام الكاتبون، الذين يكتبون علينا ما نعمل وما نقول.
{ ملازمان للإنسان لا يفارقانه، لا يتركانه في حالة يذهب لوحده وكانا غائبين، كانا في نزهة، أو ذهبا لشغلٍ آخر، أو ذهبا لتناول وجبة الطعام، أو غفلا بالنوم، لا يوجد ولا لحظة واحدة من حالات الغفلة عنك، وعمَّا تعمل، وعمَّا تقول؛ ولذلك علينا أن نستشعر ذلك، في يوم القيامة من لم يكن يستشعر ذلك، ولا يتنبه له في هذه الدنيا سيتفاجأ عندما يرى هذه الصحف وهذه الكتب توزع ويأتيه كتابه.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الرابعة1441هـ
يوم الحساب التجميع والتنظيم وعملية التوزيع.