لنعرف من خلال هذا كيف يمكن أن يكون الأثر السيئ للأخطاء الثقافية، وقد تضرب أمة بأكملها وتجعلها تحت الأقدام وهي أمة كان يراد لها أن تكون فوق هامات العالم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: من الآية110) لكن هذا الشيء الذي يؤسف الإنسان فعلًا يؤسف الإنسان فعلًا. نحن ضربنا على أيدي من حملوا اسم علم، ضربنا نحن على أيدي المعتزلة والأشعرية وأضرابهم.
والمعتزلة هم من كانوا يرون أنفسهم علماء أجلاء إلى درجة أنهم ـ كما يحكي الشرفي في شرح الأساس ـ أنهم كان البعض منهم يسخرون بأئمة أهل البيت فينظرون إليهم نظرة بأنهم بسطاء وتفكيرهم بسيط ومتخلفين ثقافيًا، يرون أنفسهم هناك مثقفين ثقافة رفيعة، هذه آثار ثقافتهم، آثار ثقافتهم المغلوطة، المعتزلة، الأشعرية، العقائد الباطلة من هنا وهناك، وعندما ساد الناس أيضًا حكام جاهلون، همه أن يبحث عن العالم الذي يدجِّن المجتمع له دينيًا، فيتوارث خليفة بعد خليفة، وملك بعد ملك، ورئيس بعد رئيس، على أكتاف هذه الأمة وهي تعيش في ظلام الجهل والتخلف.
ثم المأساة تأتي في الأخير أن نأتي نحن نتنكر لديننا فنعتقد أنه هو المسئول، ثم نكون ضحية لتضليل اليهود نقبل قولهم: أن الدين هو الذي ضربنا، ألم تكن كثير من البلدان الإسلامية دخلت إليها الاشتراكية تكفر بالله؟ وقيل لها بأن الدين هو تخلف، وأن الدين هو [أفيون الشعوب]، ألم يصبح كثير في أوساط المسلمين علمانيين؟ كثير من المسلمين علمانيين نتنكر للدين بكله ولا شأن للدين بالحياة.
نظرة صحيحة عندما ننظر إلى الدين على أساس ما قدمه إليه الآخرون من العلماء، العلماء الذين اعتبرهم علماء المسلمين قدموا الإسلام على هذا النحو فعلًا هذا التقديم يخلق هذه النظرة أن هذا الدين لا يصلح لا سياسيًا ولا اقتصاديًا ولا ثقافيًا، وأنه يحول بين الأمة وبين أن تنهض فعلًا على قدميها، وبين أن تصبح أمة قادرة على أن تبدع، وتخترع وتنتج، لكن ظلمنا الدين نفسه؛ ولهذا كان الإمام الخميني يقول: إن الثقلين ظلما، قال: الأمة ظلمت الثقلين: يعني القرآن والعترة.
ظلموهم من أول الزمان، من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وعلى طول التاريخ، وظلموهم في هذا الزمن أن تنكروا لهم وأصبح الحديث عن العودة إليهم تخلفًا، لا، نقول: أولئك الحكام الذين حكموا الأمة على طول تاريخهم هم المتخلفون، هم الذين أورثوها التخلف، أولئك العلماء الجهلة الكثير منهم ممن حرفوا ثقافة الأمة من حيث يشعرون أو لا يشعرون هم من ضرب الأمة، هم من ظلم الأمة، هم من جهّل الأمة، وليس فقط الثقلين: القرآن والعترة.
بل نحن الزيدية من نتمسك بأهل البيت، أهل البيت أنفسهم هم من عانوا من هذا، كما يقول علي عبد الله: نحن عانينا من الإرهاب، نحن عانينا أيضًا من الأخطاء الثقافية التي جاءتنا من قبل السنية، من قبل المعتزلة، من قبل الطوائف الأخرى، عانينا ممن تأثروا في داخلنا بهم فعلًا، فأصبحنا نحن شركاء في ظلم الثقلين: الكتاب والعترة، فأصبحنا كلنا قوم لا نتفكر إلا حيث لا يطلب منا أن نتفكر على النحو الذي نفهم معنى التفكر والنظر، سلطنا التفكر والنظر في مجال معرفة الله على النحو القاصر ـ كما كررت ـ وفي مجال التشريع، أو في مجال الهداية الكاملة وهي التي قد تكفل الله بها {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الجاثـية: من الآية13) فيقول لك: هذه الآية تدل على وجوب النظر. فأصبح النظر واجبًا عقلًا وشرعًا على النحو الذي يقدمونه هم.
نعود إلى أصل الموضوع، كملاحظة أو إضافة على الموضوع: ساعد على هذا أننا لم نجعل الحديث عن نعم الله سبحانه وتعالى من القواعد المهمة في تحقيق معرفته داخل كتبنا التي نسميها كتب أصول الدين، هذه واحدة.
الشيء الثاني: نظرنا إلى الحياة، إلى الدنيا عن طريق أصحاب كتب الترغيب والترهيب ومعظمهم أيضًا من السنية، نظرنا إلى الدنيا هذه بكلها، هذه الدنيا التي يتحدث الله عنها، ويذكر بأنها نعمة عظيمة علينا بأنها لا تساوي جناح بعوضة، وأنها ليست بشيء، وعلى الإنسان أن ينصرف عنها، وإذا كان سيطلبها فليطلب فقط القوت الضروري منها، والكفاية فقط منها وينطلق، يتركها الناس، يرفضها الناس، هذا هو التدين.
عزز الفكرة مرشدون داخل مساجدنا يسيرون في هذا الاتجاه، وكتّاب وهم يكتبون في أشرف علومنا يسيرون في هذا الاتجاه، ومفسرون أيضًا يسيرون في هذا الاتجاه، وهكذا تراكمت الأشياء فأصبحنا نحن أبناء هذا العصر الضحية، وليس فقط هذا الجيل بل أجيال نحو ما لا يقل عن أربعمائة سنة، اعتبرها أربعمائة سنة على أقل تقدير هي الحالة التي ظهرت فيها النتائج السيئة لكل الأشياء التي سبقت.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
سلسلة معرفة الله (2 - 15)
الدرس الثاني
ألقاه السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 19/1/2002م
اليمن – صعدة