فمن يقول: أنه يريد أن يحافظ على نفسه وأهله وبيته وماله قد يخرج منها رغما عنه، ثم لا يكون خروجه منها في سبيل الله بل حسرة وندامة، وتحت وطأة أقدام أعداء الله، أما المؤمن المجاهد الصابر الذي يعمل في سبيل الله فلو خسر نفسه, ولو خسر أهله وبيته وماله فإنه ليس خاسراً، هو من سيقول فيما بعد عندما تتجلى له الأمور، وهو يرى أولئك الذين يرون أنفسهم في الدنيا أنهم كانوا أذكياء لم يتعرضوا - في مرحلة مؤقتة فقط وليس على الإطلاق - لم يتعرضوا لما تعرضت له أنت في سبيل الله، ستراهم أنت يوم القيامة ثم ترى أن كل ما نالك في الدنيا ليس خسارة، إن الخاسرين الحقيقيين هم أولئك الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وليس نحن، وليس أنت الذي خسرت نفسك وأهلك في الدنيا.
وقد يأتي الشيطان ليقول لك عندما تتعرض لحالة كهذه وأنت مجاهد في سبيل الله قد يقول لك: [لو أنك ما دخلت في هذا الموقف كنت مثل فلان، شف فين فلان فوق بيتهم مكيف شف فين فلان بين مزرعته يشتغل وماله حاجة]، فيوحي لك بأنك في خسارة, وأنك أوقعت نفسك في ورطة وخسارة، يوم القيامة سيتضح لك الأمر إذا ما حاولت أن تدفع الشيطان عنك، وأن تعود إلى صوابك وترى نفسك أنك في مقام تتعرض فيه للربح عند الله يوم القيامة، سترى أنت أولئك هم الخاسرون حقيقة وليس أنت الذي خسرت نفسك وأهلك في الدنيا.
لهذا قال الله: {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا}، لأن الكثير من المؤمنين هم من يصنفون عند الآخرين خاسرين: تخسر دراستك, تخسر شهادتك، تخسر بيعك وشراءك، خسرت مالك، خسرت بيتك، هكذا يتعرض المؤمنون للكلام الكثير من قبل الآخرين فيصفون كل ما يتعرضون له بأنه خسارة، ويصفونك بأنك أحمق وأنت تنطلق في عمل
ما، أو تقول كلمة حق بشكل صريح, يعتبرونك أنك أحمق؛ لأنك تعرض نفسك للخسارة، فهؤلاء المؤمنون الذين تحملوا في الدنيا ما يقال ضدهم وصبروا واستقاموا هم من ستتجلى لهم الأمور يوم القيامة فيقولون للآخرين، ويقولون لأنفسهم: {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا} حينئذ والله صح {إِنَّ الْخَاسِرِينَ - هم أولئك - الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، ونحن نراهم يسحبون على وجوههم في السلاسل والأغلال إلى جهنم، أليست هذه هي الخسارة الحقيقية؟؟.
قد يراك أحد الناس - كما حصل فعلا في بلادنا وحصل في مناطق أخرى - فيرون أحدا من الناس من هذا الصف وهو يقاد به إلى السجن فيرون أنفسهم في ربح أنهم رأوا أولئك.. ومن هم أولئك؟ هم في الواقع الذين لم يتعرضوا لأي أذى أو ضر من جانبهم، لأن المؤمن هو من لا يضر الآخرين، وهذه هي من الأشياء التي تعتبر مما تدهش الإنسان أمام المنافقين: أن المنافق يحمل غيظا وحقدا على المؤمنين، وهو يتأكد في قرارة نفسه أنه غير خائف منهم لا على نفسه ولا على ماله، هو لا يتوقع منهم أن ينهبوا ماله، هو لا يخاف أي شيء من ضرهم وأذاهم ولكنك تراه يفرح ويرتاح والمؤمنون يقادون إلى السجن. ألم يحصل كهذا؟.
وقد يرى الإنسان نفسه وهو في حالة كهذه في ألم شديد، لكن أنت عد إلى كتاب الله لتعرف أن المواقف ستتغير، وأن هناك في القيامة سيتجلى من هو الخاسر الحقيقي، ومن هو الرابح الحقيقي.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله وعده ووعيده
الدرس الخامس عشر
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 8/2/2002م
اليمن-صعدة