رسل الله (صلوات الله عليهم) أرسلهم الله رحمة للناس، وحجة على الناس، وفي الوقت نفسه أتى الرسول محمد ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› في هذا الإطار [في إطار المشروع الإلهي] ألا يترك العباد هملًا، ألا يتركهم في حيرة من أمرهم، في اضطراب، في حيرة، في تردد، في ضلال، في شقاء وهوان.
الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) علمه الله أن يقول:
{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ }[الأحقاف:9]
ما كنت بدعًا من الرسل، هو ضمن سلسلة من الأنبياء والرسل، فمنذ وجود الإنسان الأول آدم ‹عليه السلام› وُجِد هدى الله، وُجِد وحي الله، وُجِدت تعاليم الله، أتى هذا الإنسان إلى الأرض وأتت معه تعاليم الله التي إن اتبعها يسلم من الضلال، ويسلم من الشقاء، وعندما لا يتبع تعاليم الله - التي هي هدى - يشقى ويعاني ويخسر ويعرض نفسه لعذاب الله وبأس الله وسطوة الله.
والله يصطفي من عباده رسلًا كما قال جل وعلا:
{ اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ }[الحج: 75]
وأن يصطفي: يؤهل، يخلق، يصنع، يجعل رجلًا مخصصًا لهذه المسؤولية، يُعدُّه لهذه المسؤولية كما قال عن موسى ‹عليه السلام›:
{ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي }[طه:41]
يجعله فيما هو عليه من نفسية عظيمة بحيث يكون جديرًا بهذه المسؤولية؛ فيبلغ رسالات الله - على أكمل مستوى - بلاغًا مبينًا، ثم يكون هو في الواقع العملي، وفي التطبيق يمثل القدوة العظيمة لتطبيق دين الله، وأداء التعاليم في واقع العمل والحياة، وفي واقع الالتزام.
فلذلك الرسول محمد ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› اصطفاه الله رجلًا عظيمًا جديرًا بالمسؤولية الكبيرة، مسؤولية أن يكون رسولًا يبلغ رسالات الله، وقدوة في تطبيق تعاليم الله والقيام بها في مهمة واضحة
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }[الأنبياء: 107]
هو مظهر من مظاهر رحمة الله، من رحمة الله أن يقدم لعباده التعاليم التي إن اتبعوها عاشوا حياة عزيزة، وعاشوا حياة كريمة، وعاشوا بعيدًا عن الهوان والشقاء.