يتضح لنا من خلال المحاضرات الماضية، ومن خلال العودة إلى القرآن الكريم، والتأمل في سيرة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- والتأمل فيما يعبِّر عن الامتداد الأصيل للإسلام في حركة الإمام علي -عليه السلام- وحركة الإمام الحسن، في نهضة الإمام الحسين -عليه السلام- يتجلى لنا أهمية مبدأ المسؤولية في الإسلام، ويتضح لنا- أيضًا– من خلال العودة إلى واقع الأمة عبر التاريخ، وفي هذا العصر, في زمننا نحن، يتجلى لنا بوضوح ما يمثِّله هذا المبدأ من أهمية كبيرة جدًّا تتصل وترتبط بواقع حياة الناس، باستقامة دينهم، واستقامة دنياهم، المسؤولية في كل جوانبها المتعددة: المسؤولية في إحقاق الحق، وإقامة العدل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله…الخ. المسؤولية في هذه الاتجاهات تشكِّل جانبًا أساسيًا، ومعلمًا رئيسيًا في الإسلام أضاعته الأمة على مدى أجيال، على مدى قرونٍ من الزمن، وكان لإضاعته آثار سلبية ومدمِّرة في واقع الأمة وبشكلٍ رهيب جدًّا.
باستعراض النصوص القرآنية تبين لنا حتى موقع هذا المبدأ من الدين، وتجلَّى لنا أنَّه يشكِّل جزءًا رئيسيًا، الإخلال به إخلالٌ بالدين، وإفقادٌ للدين من أثره وثمرته في الحياة، وتفريغٌ له من مضمونه الجوهري والأساسي؛ ولذلك سعى الطواغيت والمجرمون والمضلون والمفسدون إلى التركيز على هذه الجوانب، مع الابقاء على جوانب أخرى، ولكن على نحوٍ مستغل ومفصول: عن الأسس، ومفصول عن الثمرة، كما بينَّاه في الكلمات الماضية.
فيتجلى لنا أنَّ هذا المبدأ الذي ارتبط به في النص القرآني التأكيد على أنَّه إحدى الواجبات الأساسية والرئيسية والدينية، وأنَّه لابدَّ منه في تحقيق الإيمان، وفي أن يتحقق لنا في واقعنا مصداقية انتمائنا الإيماني، وأنَّه- كذلك– لابدَّ منه في أن نكسب رضى الله، لابدَّ منه للأخذ بأسباب الرحمة الإلهية، وأنَّ الله قدَّم بشأن هذا الأمر كثيرًا من الوعود وكثيرًا من الوعيد، الوعود في حالة الاستجابة، والطاعة، والانطلاقة على أساس توجيهات الله في ذلك، والوعيد عندما تفرِّط الأمة في هذه المسؤولية، وتقصِّر في هذا الواجب، كما قرأنا قول الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: الآية142]، وقرأنا قوله تعالى: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التوبة: الآية39]، وكم في القرآن مما يتصل بهذه المسألة من وعد أو وعيد من جانب الله -سبحانه وتعالى-.
يتضح لنا في واقع الحياة، بحسب ما تعانيه أمتنا اليوم، مشاكل كبيرة جدًّا، كما قلنا: لا يزال الدين الإسلامي في بعض شعائره، وفي بعض أعماله، في بعض سلوكياته حاضرًا بشكل كبير في ساحتنا الإسلامية، هذه نعمة، ولكن الخطأ هو- كما كررنا- في فصل هذا الجانب عن الجوانب الأخرى؛ لأن فصله عن الجوانب الأخرى أعدمه الكثير من آثاره الإيجابية في واقع الحياة، وجعله على نحوٍ يمكن استغلاله من جانب قوى الطاغوت والإجرام. الإسلام في صلاته- مثلًا– لا يزال- بفضل الله وبحمد الله- حاضرًا بشكل كبير في ساحتنا الإسلامية، وشعائر الصلاة تؤدَّى بشكل كبير من الملايين، وهناك الكثير جدًّا من المساجد، والملتزمين بأداء هذا الواجب الملايين من أبناء الأمة الإسلامية. الصيام- كذلك– لا يزال كثير من أبناء الأمة الإسلامية يؤدُّون هذا الركن وهذه الفريضة من فرائض الله -سبحانه وتعالى- جوانب معينة بارزة في ساحتنا الإسلامية، في الوقت نفسه نعاني- كأمة إسلامية في معظم أقطارها ومعظم بلدانها وشعوبها- من ظلم شديد جدًّا على كل المستويات، كل أنواع وأشكال الظلم: فساد بشكل رهيب جدًّا، اختلاف وتمزق، حالة رهيبة جدًّا من التخلف وانعدام الوعي… مشاكل كبيرة جدًّا تعاني منها الأمة، ومنكرات كثيرة موجودة في الساحة، وغياب- إلى حد كبير- لثمرة الإسلام في أثره في الناس، وفي أثره في الحياة فيما يحققه: من عدل، من خير، من رحمة، من صلاح لحياة الناس، لدينهم ودنياهم، لشؤونهم، وتعاني الأمة- إلى حد كبير- في معظم بلدانها من سيطرة قوى الشر والإجرام والطاغوت، وهيمنة فئات النفاق والعمالة والارتهان لأعداء الأمة: للأمريكيين، والإسرائيليين…الخ.
طبعًا، هذا لا ينسجم مع الإسلام بأي حالٍ من الأحوال، بمعنى: الإسلام كدين في قرآنه، وبحركة وسيرة نبيه -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- ليس مصممًا ليكون على هذا النحو فحسب، على هذه الشاكلة التي عليها الأمة الإسلامية- في معظم أقطارها- في هذا الزمن، شعب مسلم يصلي ويصوم، ينتمي للإسلام، جزء لا بأس به من الشعائر الإسلامية موجود في واقعه، ولكن يخضع بالمطلق للسياسات الأمريكية والإسرائيلية، ويتحرك النظام فيه، أو السلطة فيه لخدمة أمريكا بكل ما تستطيع، وتأقلم واقع البلاد في الاتجاهات، في الثقافات، في المواقف، في التوجهات… في أشياء كثيرة بما يتناسب مع السياسات الأمريكية الشيطانية، أو بما يهيئ ذلك البلد، أو ذلك الشعب لتقبل التحالف مع إسرائيل، والعداوة لآخرين من أبناء الأمة الإسلامية، والتآمر على آخرين من أبناء الأمة الإسلامية، وظهور كثير من المفاسد والمنكرات التي تدمِّر أخلاق المجتمع المسلم، وغياب للاهتمامات الكبرى، وانعدام للإحساس بالمسؤوليات ذات الأهمية الكبرى في القرآن، وفي حركة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ليست المسألة مبنية على هذا الأساس، لا في القرآن، ولا في حركة الرسول وسيرته -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
محاضرة السيد الثالثة بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام للعام 1440هـ-