أما العرب فإنه قد وصلت بهم حالة الضلال والجهل إلى أنه في الجزيرة العربية انتشرت حالة الشرك بأصنام أخرى سواء أصنام من الحجر أو أصنام من البشر، وغفلة كبيرة عن الله - جل وعلا -.
من حالات الجهل والتخلف التي وصل إليها العرب آنذاك أن جعلوا من أحجار- ينحتونها هم بأيديهم وأحيانًا أخشاب وما شابه ذلك - آلهة يتضرعون إليها، يقدمون لها النذور، يطلبون منها النصر، يستشفعون بها، يطلبون منها الغوث، يطلبون منها دفع الضر، وهذا كان غاية في الجهل والتخلف! كيف يجعلون مما يصنعونه هم بأيديهم آلهة تُعبد وتُرجى؟! فهذا هو بسبب مدى البعد عن الله - جل وعلا - الغفلة الكبيرة عن الله - جل وعلا -.
أما في شؤون حياتهم - فكان هذا في جانب معين في جانب التضرع والتذلل، في جانب طلب كشف الضر ودفع الضر، وفي جانب الترجي للخير والحصول على الخير - في شؤون حياتهم وفي تدبير أمورهم كان يتحكم بهم حفنة من الطواغيت، يعني: كان هناك عبودية للجهتين: أصنام حجرية لها شكل معين من العبادة هو التضرع: هو طلب دفع الشر ودفع الضر، هو طلب الخير.
نوع آخر من العبودية فيما يتعلق بشؤون الحياة كان هذا منوطًا بحفنة من الطواغيت: بشر مضلين مفسدين ظالمين مجرمين يلتف حولهم المجتمع ليتحكموا به وبشؤونه وبتدبير أموره وبالتنفيذ في كل قضاياه، يشرعون له ما شاؤوا، يمنعونه مما شاؤوا، يفرضون عليه ما يريدون حسب أهوائهم وأمزجتهم.
وهذا كان له أثر سلبي مُدَمِّر في واقع الحياة؛ فتحولت الأمة إلى ساحة للفسق، ساحة للفجور، ساحة للظلم، وساحة للفقر الشديد حيث أصبحت ثروات الأمة بيد تلك الحفنة من الطواغيت يستعبدون الناس ويذلونهم ويقهرونهم فكان هذا أيضًا نوعًا من أنواع العبودية، نوعًا من أنواع العبودية للطواغيت لأصنام البشر التي تتحكم بالناس في حياتهم وفي شؤونهم وفي تدبير أمورهم.
وأما هذه الحالة التي وصل فيها مستوى التخلف إلى أن تنعدم الرحمة، وتنعدم الإنسانية، ينعدم الضمير وصل الحال إلى أن يقوم الرجل بقتل ابنه الصغير خشية الفقر، خشية الإملاق، إما خوفًا عليه من أن ينشأ فقيرًا أو لأنه يعيش في حالة الفقر، وصلت الحالة إلى أن تُوأد البنات خشية العار، وصل الحال إلى أن يكون غذاؤهم أن يأكلوا الميتة كالحيوانات تمامًا، كما الكلاب، كما النسور كما غيرها.
عندما يفقد الناس دين الله ويبتعدون عنه؛ يحصل تخلف وانحطاط لدى المجتمعات البشرية فتصير في مصاف الحيوانات كالأنعام بل هم أضل.
لا يجتمعون على كلمة، مفرقون، قبائل متناحرة متقاتلة، يقتتلون على أتفه الأمور، أحيانًا على سباق بين بعيرين أو بين فرسين تحصل حروب كبيرة جدًّا وتهدر فيها الدماء والمقدرات لدى الأمة، كانت الأمة تعيش حالة من الضياع في واقع حياتها، ليس لها هدف، ليس لها ما يجمع كلمتها ويوحد صفها ويلم شعثها ويبنيها أمة عزيزة قوية لها قضية عظيمة.
من كتاب "مع الرسول والرسالة" للأستاذ يحيى قاسم أبو عواضه