إن الله سبحانه وتعالى لم يجعل حتى القرآن بدلا عنه، هو من يهدي, وهو من يعلِّم, وهو من يؤتي الحكمة من داخل كتابه، وممن يشدهم كتابه إليه، وليس لمن يرون كتابه حتى كتابه بدلا عنه، فكيف بمن يرى كتبا أخرى هي من كتب البشر بدلا عن أن يجاهدوا في سبيل الله, وأن يكونوا من المحسنين ليحصلوا على العلم والحكمة من قبل الله.
ثم كم وجدنا ممن حملوا علما وليس لديهم حكمة.. ومتى كان للإنسان علم دون حكمة يتحول علمه إلى ماذا؟ إلى صد عن سبيل الله في أغلب الحالات، يتحول علمه إلى إضلال.
الإنسان يحتاج إلى حكمة مع علمه وهو يتجه بعلمه إلى نفسه، ويحتاج إلى حكمة مع علمه وهو يدعو الآخرين إلى ربه، إذا ما فقدت الحكمة وأنت تعلم نفسك ستفقد الحكمة وأنت تعلم الآخرين، من أين تأتي الحكمة؟ لا يستطيع أحد أن يؤتيك الحكمة إلا الله سبحانه وتعالى، وهو هو من قال لشباب كانوا في مراحل التعليم {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} شابا، وقد يكون البعض يرى بأنه قد بلغ السن الذي فاته فيه أن يتعلم. نشأ يوسف في مصر، من الذي علم يوسف؟ ألم يأخذه أخوته وهو صغير, وسجنوه في البئر, ثم مشى وقطع فترة طويلة من عمره داخل قصر يشتغل أشبه شيء بخادم؟!.
ثم موسى من الذي علمه في مجتمع كذلك المجتمع, مجتمع الفراعنة؟ هو الله سبحانه وتعالى الذي قال: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.
ثم انظر كيف كانت مواقف موسى, ذلك الذي نشأ في بيئة جاهلة، ألم ينشأ في بيئة جاهلة في مصر، مصر الفرعونية، هل كان هناك مراكز؟ هناك مدارس علم؟ ربما قد يحصل لديه القليل مما يعرفه عن ديانة آبائه من بني إسرائيل, لكنك تجده في القرآن يقدم حكيما قبل النبوة، ويقدم عالما قبل النبوة أيضاً, من أين جاء هذا؟ لأنه انطلق كما قال الله عنه في مجالات الإحسان فآتاه الله حكما وعلماً.
كذلك يوسف ألم يكن تصرفه حكيماً, ومنطقه حكيماً وهو في مصر؟ والنساء يحاولن وراءه، ثم وهو في السجن، ثم وهو كوزير للاقتصاد, أو وزير للمالية، ألم يكن منطقه حكيما وتصرفه حكيماً؟ ألم يكن استقباله لأبويه وإخوته حكيماً ومنطقه معهم؟ من أين جاء هذا؟ من الله سبحانه وتعالى.
أما الذي ينصرف ويقول: هؤلاء الناس يضيعون أوقاتهم بين ندوات وجلسات وأمسيات، لماذا لا يتفرغون لطلب العلم؟. هذه نظرة جاهلة، سيكفيك كتاب واحد وترى نفسك أنه يكفيك أكثر من عشرات الكتب التي قطع ذلك الشخص عمره وهو يتردد بينها، ويقرؤها كتابا بعد كتاب, ويردد الكتاب مرتين أو ثلاث.
ثم وجدنا في الأخير أننا كنا نقطع أيامنا مع كتب وإذا هي ضلال كلها من أولها إلى آخرها ككتب [أصول الفقه] بقواعده، وإذا هي وراء كل ضلال نحن عليه، وراء قعود الزيدية، وراء ضرب الزيدية، وراء هذه الروحية المتدنية لدى الزيدية، التي تختلف اختلافا كليا عما كان عليه السابقون من أهل البيت وشيعتهم.
وهي التي نسهر ونحن نراجع الدروس فيها، وهي هي من نحملها معنا إلى داخل المساجد، وما أبعدها عن واقع المساجد، ثم وإذا بنا نجني على أنفسنا, ونجني على مساجدنا من تلك الكتب التي كنا نرى أنفسنا نتعبد الله بقراءتها، إذا بها هي التي عطلت مساجدنا فلم تصبح لها روحيتها التي لروحية مسجد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وإذا بنا فقدنا روحيتنا التي كانت في لأهل البيت وشيعتهم السابقين.
هذا ما سيحصل عليه من سيسخر ممن ينطلقون في الأعمال في سبيل الله، الأعمال التي هي تدافع عن هذا الدين، وهي جهاد في سبيله ومواجهة لأعدائه، أليس هذا هو ما نتكلم عنه، ونحاول أن نسير فيه ونحن نرى أعداء الإسلام يصلون إلى كل منطقة؟ ونحن نرى أمريكا وإسرائيل, ونسمع أن الأمريكيين قد وصلوا إلى بلادنا؟ ماذا سيعمل أولئك الذين في زوايا المساجد ماذا سيعملون؟.
هو من سيبحث عن مبرر لقعوده، ومن أين سيحصل؟ من القرآن؟ لا. لن يحصل عليه من القرآن، سيحصل عليه من بطون الكتب الأخرى.
ويكفينا شرفا أننا أبعدنا أنفسنا عن ما رأينا آثاره السيئة في واقعنا, وماثلا أمام أعيننا في مجتمعنا، ويكفينا شرفا أن ننطلق في عمل نحن نعرف أنه العمل الذي ينسجم مع القرآن كاملا، وأنك حينئذ تجد نفسك منسجما مع القرآن, لا تبحث عن مبرر يبرر لك قعودك أمام ذلك النص القوي في هذه الآية أو تلك.
أما أولئك فهم من إذا رأوا آيات كآيات الجهاد، وآيات كآيات الإنفاق، وآيات كآيات الأمر بالتوحد، وآيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, هو من يحاول أن يرجع إلى ما قرأ في تلك الكتب داخل [أصول الفقه] ليبحث عن المبرر، ليتهرب من هذه الآيات.. هل هذا منسجم مع القرآن، أم أنه بعيد عنه؟ إنه بعيد عنه.
فالعلم هل هو الذي يبعدك عن القرآن, أم الذي يجعلك منسجماً مع القرآن؟ إنه الذي يجعلك منسجما مع القرآن، والعمل الصالح هو الذي يجعلك منسجما مع القرآن، وفي الأخير هو ما يجعلك بعيدا عن جهنم، جهنم هذه التي ملأت آيات القرآن صفاتها الشديدة المرعبة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله وعده ووعيده
الدرس الخامس عشر
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 8/2/2002م
اليمن-صعدة