ومرض القلوب يتجلى بعناوين متعددة قد يصبح نفاق، شك، ارتياب، إيثار لمصالح خاصة على الدين، إيثار لمصلحته الخاصة على الدين مما هو مرض مشين. عادة قد لا تحتسب فعلا أن يكون صادقاً من يدعي أنه من منطلق الحفاظ على المصلحة العامة، هذا ما يحصل من القلوب المريضة.
فمن يسارع فيهم في قلبه مرض، وغير صادق عندما يدعي أنه من أجل الحفاظ على المصلحة العامة، على مصلحة شعبه أو على مصلحة المسلمين، غير صادق. القلوب المريضة ليست هي من تهتم بمصالح المؤمنين بمصالح المسلمين، القلوب السليمة هي وحدها التي تهتم بمصالح المسلمين، هي التي تتجاوز خارج إطار وحدود شخصيتها، أما القلب المريض فلا يمكن أن يحمل اهتماماً بمصالح الآخرين؛ ولهذا يأتي بعبارة (يقولون) {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}. فنحن نحافظ على المجتمع من أن يحصل عليه ضربة.
عبارة (يقولون) مثلما يقول لك: يزعمون يتفوهون، والواقع أن هناك مرض، قد يكون هذا المرض جُبْن، نفاق، حب لهم، تأثر بثقافتهم يدفعه إلى أن يُنَفّذ مؤامراتهم، ويتولاهم، ثم يضفي على توليه لهم، ماذا. عنواناً كبيراً يقدمه وكأنه يخاف على المصلحة العامة، أو أنه حتى يخاف على نفسه، حتى أن يتفوه بأنه يخاف على نفسه، هو ممن في قلبه مرض.
لأن الله عرض قضيتهم في القرآن أنه متى ما أصبحتم ممن يحملون قلوباً سليمة ليس فيها مرض فستصبحون مؤهلين لدرجة أن يصبح واقعهم معكم على هذا النحو {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111).
المؤمن، من قلبه مملوء بالإيمان، من قلبه سليم، لا يمكن أن يخاف على نفسه منهم؛ لأنه يثق بالله، ويعلم بأن ما يقوله الله سبحانه وتعالى عنهم أنه حقائق، بل يكون قوياً عليهم، جريئاً عليهم.
هل أحد منكم شاهد [السيد حسن نصر الله] في التلفزيون وهو يتكلم بملء فمه، وبكل قوة وبعبارات تهز إسرائيل. ماهي عبارات مثلما يتكلم زعماء العرب الآخرين: كلمتين أو ثلاث، وسموه [فارس العرب].
كلمات مجاهد، كلمات شجاع، كلمات تحتها جيش من الشباب المجاهدين الأبطال، يتكلم كلمات حقيقية مؤثرة، وهو بجوارهم، وهو يعلم أن معهم قنابل ذَرِّيّة، وأن معهم صواريخ ومعهم دبابات، ومعهم كل شيء، لكن قلبه من القلوب المملوءة بتولّي الله ورسوله والذين آمنوا فأصبحوا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، كما سيأتي عندما نصل إلى عند هذه الآية.
فمن في قلبه مرض هو من يخاف، فيدفعه خوفه إلى أن يقول: نحن خائفون على أنفسنا. {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} أو نخشى أن تصيب المجتمع والشعب دائرة، لكن ذلك ليس في الواقع هو مبعث خوف، وليس هو في الواقع مبرر ادعاء اهتمام بمصلحة عامة، إنما سببه مرض.
أحياناً قد يكون الخوف الحقيقي مما هو مخيف حقيقة، قد يكون أحياناً مقبولاً، بل قد تأتي أحكام شرعية تسوغ تصرف معين تحت وطأة الخوف كما يقال: [التقيَّة] {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (آل عمران: من الآية28) لكن مع هذا الجانب الذي يسارع فيهم يسارع فيهم يعني أن هذا عمل يدل على أن في قلبه مرض، وما يقوله من بعد معناه مرض يدفعه إلى أن يكون فعلاً متولياً لهم، إنما قضية أن يقول: [والله احنا خائفين على مصالحنا، أو خائفون على بلادنا]. إنما هي تغطية فقط، وإلا فواقعه أن في قلبه مرض، فهو يسارع فيهم.
ما معنى {فِيْهِمْ}؟ هي مثل {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} (الحج: من الآية78) يسارع في خدمتهم، في تنفيذ خططهم، في تنفيذ مؤامراتهم، في توليهم؛ لأن في قلبه مرض فهو يتولاهم.
هنا تأتي عبارة {يَقُولُونَ} بمعنى يتفوهون وكأنها عبارة فعلاً لهجتها أو صيغتها تفيد بأنها شيء غير حقيقي بالنسبة لواقعهم أنهم فعلاً يخافون على أنفسهم فعلا، أو يخافون على أمتهم، وإنما الذي دفعهم إلى المسارعة هو أن في قلوبهم مرض جعلهم يتولونهم.
إذاً فاليهود هم يشتغلون يشتغلون معنا كثيراً ليوجدوا في قلوبنا مرض، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً} (المائدة: من الآية64) إلى أين يتجه هذا الفساد؟ ما هو بيتجه إلى النفوس أولاً؟ ثم ينعكس بشكل أعمال، إفساد في الأرض؛ لأنه حتى ما يحصل من إفساد في الأرض إنما يأتي عن طريق الإنسان نفسه.
{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} (المائدة: من الآية52) لاحظ (الفاء) في قوله {فَعَسَى اللَّهُ} توحي بأن أولئك الذين يسارعون فيهم، أولئك الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، سيأتي اليوم الذي يندمون فيه على كل ما عملوه معهم، على كل ما بذلوه من جهودٍ فيهم، على تلك الجهود التي سارعوا إليها، سارعوا في بذلها فيهم. {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} (المائدة: من الآية52) وعبارة {أمرٍ من عنده} واسعة {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة: من الآية52).
{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} من هذه الآية من قوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}(المائدة: من الآية52) إلى قوله: {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}(المائدة: من الآية52) تعنى بأنه يجب أن نكون واعين نحن أمام من تنطلق من أفواههم هذه العبارات من كبير أو صغير، من يدعي أنه خائف علينا منهم، أو من يدَّعي أنه خائف على نفسه منهم، فيريد أن يجمّد المسلمين، يجمد أي حركة للمؤمنين؛ لأنه إما خائف عليهم وإما خائف على نفسه، من خلال تحركهم فليتوقف كل صوت يكون معادياً لأوليائه.
هذه في حد ذاتها تخلق لدينا وعياً أن كل من انطلق مسارعاً فيهم، وتحت أي عنوان يقدمه إنما هو ممن في قلوبهم مرض، وما يقوله إنما هو مجرد تَفَوّه، فعندما يقول: إنما كان ذلك من أجل حرصٍ على مصالحكم، وحفاظاً عليكم. نقول له: لا. لا. نحن رأينا المسارعة، نحن رأينا المسارعة عندما جاءت أمريكا لتقدم نفسها قائداً للتحالف الدولي ضد ما يسمى بالإرهاب، ألم يسارعوا فيهم جميعاً؟ يكفينا هذه، أن كل كلمة يتفوهون بها من بعد غير مقبولة.
فعندما يقول: اسكتوا لا تتحركوا لا تعملوا شيئاً نحن إنما أوقفناهم، نحن إنما رديناهم، وإلا ربما كان ستحصل ضربة، ربما سيحصل كذا، وإذا عملتم كذا سيحصل كذا، اتركوا.. اتركوا. سنقول له: لا. إن الله هو الرحمن الرحيم هو الذي يأمرنا أن نقف هذه المواقف، أليس الله هو أرحم بنا من أي إنسان آخر؟ أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا وأرحم بنا من زعماء بلداننا؟ أرحم بنا من حكوماتنا؟ هو من يطلب من عباده المؤمنين أن يتحركوا، هو من يعمل هذا العمل الكبير جداً، جداً في هدايتنا إلى أن نكون واعين، هو من يعمل على أن يخلق في قلوبنا وعياً وفهما، وإيماناً واعياً، إيمانا واعيا.
إذاً سنقول لهم: لا تهتموا بمصالحنا أمام هذه القضية، ولا تتعبوا أنفسكم من أجلنا، ولا تَمُنوا علينا بأنكم ستكفون عنا شر أولئك.لا. اكفونا شر أنفسكم فقط. أما أولئك فدعوهم. وإذا كنتم لا يزال لديكم ذرة من الشرف فلا تتحركوا أنتم كجنود لهم تضربون هنا وتضربون هنا، وتأخذون هذا وتأخذون هذا تحت اسم [إرهابي] تحت اسم [إرهابيين]، دعوا الأمريكيين هم يضربوا، دعوا الإسرائيليين هم يضربوا، وهم أحكم منكم، هم لن يضربوا، هم لن يضربوا إلا بعد أن يحوزوا على رضا الآخرين، هم حريصون جداً على أن لا يخلقوا في أنفسنا عداءً شديداً لهم.
فلماذا لا تكونون أنتم حريصين على أن لا تخلقوا في أنفسنا نحن أبناء شعوبكم عداءً لكم، أنتم من ستتلقون الجفاء من كل عمل تعملونه ضد شعوبكم، وسيكون الرابح هو أمريكا وإسرائيل، هم اليهود والنصارى.
نحن نقول: إذا كنتم لا بد أن تعملوا عملاً ما، فقدموا لهم خرائط عن أماكننا، خرائط عن بيوتنا، خرائط عن مناطقنا، ثم دعوهم يضربوا، وانظروا هل سيضربون، فتكونون أنتم قد فتحتم لهم كما يقول الناس كما يقول القبائل [حَد وبلاد] ودعوهم هم يضربون، هم لن يضربوا، ومتى ما ضربوا، وإن قُدِّر لهم أن يضربوا فإنما سيكون بعد أن تكون المسألة قد أخذت شرعيتها من داخل وسائل إعلامكم، فتضرب تلك المنطقة أو تلك المنطقة بعد أن أصبح الناس أعجل من أمريكا على أن تضرب، هكذا يعمل اليهود. أصبحنا - تقريباً وهي تتحرك إلى أفغانستان - عجَّالين، قطع ثقيلة صعبة التحرك، نريد نعرف ماذا سيعملون، كلنا عجَّالين أن تضرب أفغانستان أعجل من الأمريكيين، ألم يكن الناس أعجل من الأمريكيين؟
إذاً فلنحذر، فلنحذر نحن ممن يُقدم نفسه بأنه إنما يعمل ما يعمل من منطلق الحرص على مصالحنا. القرآن الكريم يقول: إن المسارعة تكشف أن هناك مرض في القلوب، وأن أي ادعاءات بعدها إنما هي ادعاءات زيف وتضليل، وتبرير للعمل الذي هو في الواقع مسارعة فيهم انطلق من قلوب مريضة ملؤها الولاء لهم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
الدرس الأول- من دروس المائدة
بتاريخ: 13/1/2002م
اليمن – صعدة.