عبد الكريم محمد الوشلي
من السذاجة بل الضلال السياسي الانسياقُ وراء التصنيفات الدارجة لقيادات العدوّ الصهيوني ومنظومةِ حُكمه الإجرامية وَأَيْـضًا منظوماتِ الحُكم الراعيةِ والحاضنة له في الغرب الأمريكي الأطلسي، فكُلُّهم بيمينهم ويسارهم وسلطتهم ومعارضتهم “وليكودهم وعملهم”.. قتلةٌ سفاحون متوحشون ولا نفرق بين أحد منهم، وكلُّهُم أوعيةُ شرٍّ مطلق يتلذذ بأكل لحوم الأطفال والنساء وسفك ومصِّ الدم البشري المغاير لثقافتهم الشيطانية العنصرية المسخ، ولا فرق أَو اختلاف أبدًا بين نتنياهو وسموترتش وبن غفير.. ولابيد وإيزنكوت وأُولمرت وسواهم من مكوِّنات اللُّعبة السياسية الممسرحة في الكيان المجرم إلَّا في أشكال وأساليب الإجرام الذي هو حرفتُهم ومِراسُهم جميعًا، والقتلُ “للأغيار” هو مبدأهم جميعًا وإنما الاختلاف بينهم حول كيفية القتل ليس إلَّا..! ولا مجال للتفضيل بين حزبَي التسلط في أمريكا الجمهوري والديمقراطي أو بين هاريس وترمب، فالفرق بينهما هو كالفرق بين قاتل يتخفى في جلد الأفعى وآخر منزوع الجلد الأملس ويتجه نحو فريسته مكشرًا عن نابه السام القاتل دون أي قناع أَو قفاز؛ فكلاهما في القتل سواء..
وهذا يعيِّنُ علينا التفطُّنَ لخطورة الشِّباك التي تجهد دعايةُ العدوّ الصهيوني وسندِه الأمريكي الغربي وإعلامُهم ومناوراتُهم السياسيةُ المخادعة والمضلّلة في نَصْبِها على الدوام لوعيِنا الجمعي. والحاصل أن عدوَّنا الصهيوني الأمريكي في مسلكه الإجرامي المتكئ على الخداع والكذب والتضليل والتعمية على الحقائق، يتعاطى مع عقولِ خصومِه وفرائسِه تعاطيَ الصياد الانتهازي الجشع مع الأسماك التائهة في البحيرات المالحة الضحلة مستسهلًا إيقاعها في شباكه بالطعوم الكاذبة.
وما أكثرَ هذه الطعوم وأفخاخ الوعي القاتلة التي يستدرجنا كأمة -شعوبًا ونخبًا- بها هذا العدوّ الماكر نحوَ مَقاتل التشويش واللَّبس والغشاوة المَقيتة في النظر إليه وإلى حقائق وحواكم الصراع الأزلي المرير معه!
ومن بين تلك الطعوم والشِّراك المضلِّلة التي تتدلى بها ليلًا ونهارًا مصائدُ عدوِّنا الإعلاميةُ والدعائية وتُلقي بها على عتبات وعينا كعرب ومسلمين تحديدًا، وتلقى -للأسف الشديد- رواجًا لدى الكثيرين.. مقولةُ الفرز أَو التمييز بين الصقور والحمائم أَو اليمين واليسار أَو الليكود والعمل من قادة العدوّ، وهي مقولةٌ تكمنُ خطورتُها في استهداف العدوّ مِنْ ورائها إرخاءَ العصب المُدرك والواعي لدينا وإغراقنا في عسل الأمل الكاذب والتعويل على الحمائم الموهومة في قياداته في استعادة ولو بعض المسلوب من حقوقنا لديه عن طريق المفاوضات ومتاهاتها التي أخذت من أعمار قضايانا ومظلومياتنا عقودًا طويلةً وقد تأخذ قرونًا لو بقيت أفخاخُ العدوّ ومخدِّراتهُ السياسية ووعودُه الكاذبة تفعل فعلها فينا، وحتمًا لن نصلَ إلى شيء سوى الخيبة والحسرة، حسبما تقول تجربتنا العملية الملموسة مع هذا العدوّ طيلة هذه السنين والعقود الطويلة وخُصُوصًا فيما يتصل برأس تلك القضايا والمظلوميات وأغورِها جراحًا وأغزرها نزيفًا وأطولها إزمانًا في جسد وروح أمتنا وهي قضية فلسطين.
إن أبسط وأوضح معطيات تلك التجربة الطويلة وحاصلها العملي تقول بفم ممتلئ: إن المفاوضات مع هذا العدوّ والركونَ إلى إمْكَان التفاهم السَّرابي معه أَو مع شِقِّه “المعتدل” المزعوم هو أكبرُ خطأ بل خطيئةٍ سياسية وقع فيها ساسةُ الحق الفلسطيني المسلوب وكان ثمنها الفادح ما يجري اليوم على أرض غزةَ من فظاعات لا شبيه لها في طول وعرض التاريخ البشري وذاكرته الحيَّة ومجازر ومذابح تجعل الوِلدان شيبًا، وهذا اتّفاق “أوسلو” يبرز شاهدًا ناطقًا على هذه الحقيقة؛ فبعد أكثر من ثلاثين عامًا لم يجن الشعب الفلسطيني منه سوى ضياع ما كان متبقيًا من أرضه حين توقيع الاتّفاق برعاية أمريكية غربية في العام ١٩٩٣م واستشراءِ سرطان الاستيطان في أنحاء الضفة الغربية الفلسطينية وتبدُّدِ كُـلّ إمْكَانية لقيام الدولة الفلسطينية الموعودة أَو الموهومة بموجب ذلك الاتّفاق، وهذا ما كان الهدفَ المفترضَ الوصولُ إليه -بموجب ذلك الاتّفاق أَو “المقلب” الذي شربه الفلسطينيون والعرب- بعد خمس سنوات من إبرامه، وفي هذا ما فيه من كفاية الدرس والعظة المانعة لدى العرب والمسلمين من أكل المزيد من وعود أمريكا والغرب الصهيوني الفارغة والوقوع في شراك خداعهم ومنوِّماتهم السياسية والتفاوضية التي لا طائل من ورائها بما فيها تلك التي تكون ما تُدعى “أممًا متحدةً” وسيطًا فيها، فهي في النهاية لا تعدو كونَها ممرًّا قانونيًّا بصبغة دولية لإرادَة أمريكا ودول الغرب المهيمنة ومآربِها ومشاريعها العدوانية السَّالبة لحقوق الشعوب المستضعفة ومقدراتها.