وقد يحاول أن يتحرك بناءً على أفكار، المشكلة الأخرى عندما تكون هذه الأفكار التي يعتمد عليها أفكاراً غير صحيحة، وأتت من مصادر قدَّمتها، ونمَّقتها، وزخرفتها، وزينتها؛ حتى تبدو أفكاراً جميلة، وأفكاراً صحيحة، وأفكاراً سليمة، من خلال أنها ألبستها عناوين جذَّابة، والعنوان قد يكون في أصله عنواناً إيجابياً مقنعاً، مثلاً: عنوان الحرية، الغرب يستخدم عنوان الحرية ويقدِّمه إلى شعوبنا ليشجع على الانفلات من الضوابط الشرعية والأخلاقية، ليزخرف الجريمة والفساد تحت عنوان الحريات الشخصية، والمطلوب من الناس- من جانب الغرب، من جانب اليهود والنصارى بهذا العنوان- أن يرتكبوا الفواحش والجرائم الأخلاقية، وأن يقوِّضوا البنيان الأسري تحت عنوان الحرية، هذه ليست حكمة، مثلاً: قد يقدم للناس عناوين حتى بلباس العناوين الإيمانية والدينية، عنوان الحق، أو حتى أحياناً عنوان الإيمان، مثلما يفعل التكفيريون ويزخرفون ويزينون ذلك، والمطلوب من هذا هو أن يتجنَّد الإنسان تحت العنوان الديني لخدمة المؤامرات الأمريكية في ضرب الأمة من الداخل، وتفريقها بالتكفير.
كثير من الأفكار التي قد تقدَّم في شتى مجالات الحياة، وهي أفكار غير صحيحة بالأساس، بالأساس، إذا اعتمد عليها الإنسان وانخدع بها؛ فهي أفكار لا تصيب الحق، وليست مطابقةً للشرع، وليست مضبوطةً لا بالمعيار الأخلاقي، ولا بالمعيار الإنساني والفطري، ولا بالمعيار الشرعي والديني؛ لأن الحكمة مضبوطة تضبط تصرفات الإنسان، وتضبط فكرته بمجموعةٍ من المعايير: معيار الشرع، معيار الأخلاق، معيار التوازن والتطابق في كل شيءٍ مع ما يناسبه، ومع ما يوافقه، ومع ما يعبِّر عن حقيقته بحسب اختلاف الأمور.
على كلٍ نحن كأمةٍ مسلمة الله يريد لنا أن نكون حكماء في تفكيرنا: فنمتلك الرشد الفكري، وفي أقوالنا: فتكون أقوالنا سديدة وصائبة، سليمة من اللغو والفحش والكلام الباطل، وفي تصرفاتنا: أن تكون التصرفات والسلوكيات بشكلٍ عام متوازنة وسليمة ومضبوطة بمعيار الشرع والأخلاق، وفي مواقفنا، ولذلك أنعم علينا بالقرآن الكريم، القرآن هو كتاب حكمة، {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [لقمان: الآية2]، {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس:1-2]، القرآن الكريم هو حكيمٌ أيضاً، هو قرآنٌ حكيمٌ أحكمت آياته، إذا عدنا إلى هذا الكتاب المبارك، وإلى الاقتداء برسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- والاهتداء به؛ فسنكون أحكم البشرية بكلها، وأحكم الخلائق على هذه الأرض، أحكم من الجن، وأحكم من بقية الإنس، إذا لم نهتد بهذا الكتاب المبارك، إذا لم نحاول أن نتثقف بثقافته، إذا لم نستفد منه في تحديد المواقف، وفي الالتزامات العملية والسلوكية؛ فسنكون أغبى الخلق؛ لأننا سنخذل، ونفقد حتى فهمنا الفطري؛ وبالتالي نتأثر بما يأتينا من أعدائنا، وما يأتينا من أعدائنا هو في سياق تآمرهم علينا، وسعيهم للتأثير علينا سلباً بما يخدهم وما يحقق مصالحهم.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}، فالله هو مصدر الحكمة، وهو القائل -جلَّ شأنه-: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: الآية269]، لو أنك تقدَّم إليك عروض معينة، مثلاً: هل ترغب بأن تعطى المليارات من الأموال أو أن تعطى الحكمة؟ لكان الخير لك في أن تؤتى الحكمة، الحكمة أغلى من كل الماديات، أغلى من كل الإمكانات الأخرى، الأمة مهما امتلكت إذا فقدت الحكمة لا تستفيد مما امتلكته من إمكانات مادية.
لاحظوا واقع العرب، لاحظوا واقع النظام السعودي الذي يتباهى ترامب المعتوه بأنه أخرج منهم باتصال واحد خمسمائة مليار دولار، هؤلاء فقدوا الحكمة، فقدوا الرشد في تفكيرهم، في تصرفاتهم، في قراراتهم، في مواقفهم… فلم يستفيدوا من إمكاناتهم المادية الهائلة، واستغلهم أعداء الأمة أسوأ استغلال، الإنسان بحاجة إلى الحكمة ليضبط بها تصرفاته، ولتكون له فكرةً، وسلوكاً، ومواقف، وقولاً سديداً، وتحركاً مصيباً، بعيداً عن العشوائية من جانب، بعيداً عن التصرفات المندفعة بدافع الشهوات، والغرائز، والرغبات، والأطماع، أو الانفعالات والغضب، وبعيداً عن الأفكار الخاطئة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
(الحكمة وأثرها في حياة الفرد والأمة)
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة الخامسة والعشرون. يونيو 5, 2019م