هكذا يأمر الله سبحانه وتعالى أولياءه، أو يذكر أن أولياءه هم دائماً يدعون الله أن يرزقهم تذكر وشكر نعمه، وهم أولئك الذين إذا ما ملكوا نعمه الكثيرة كيفما بلغت لا تملكهم، لا تخدعهم، لا تغرهم، لا يؤثرونها على الآخرة، لا تلهيهم عن ذكر الله.. فهل تتذكر وأنت تملك شيئاً من الدنيا قد يكون ما تملك يساوي [قدراً] أو اثنين من قدور سليمان التي كان يعملها الشياطين له {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ}(سـبأ: من الآية13) أليس هكذا في الآية؟.
وتريد أن تطغى، تريد أن تتكبر، تنسى أن تطلب من الله أن يدخلك في عباده الصالحين.. تعال، انظر إلى سليمان الذي ملك الدنيا، ملك الجبال، ملك الطير، ملك الجن، ملك الإنس، ملك البر والبحر، ملك الرياح، تعال إلى كلماته الرقيقة: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}.
بعض الناس ينسى أن يدعو لوالديه فيما إذا تركوا له مالاً [الله لا يرحمه إنه أعطى فلانة جربة فلان, كان عادها قال مهر, قال يريد يتخلص..].
سليمان يقول: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} هذا الملك كله أنا أريد أن أسخره في الأعمال الصالحة، تلك الأعمال التي ترضيك.. {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} أليست هذه كلمات رقيقة؟ ما أبعد الناس، أولئك الذين لا يملكون مثل قدور سليمان عن هذا المنطق، أصبح الناس كما قال الله: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (العلق:6-7)
إذاً فالمعالجة أن نأتي نحن لنعالج الإشكالية في النفوس، وهو توجه القرآن الكريم، هو توجه إلى النفوس، لنعلم الناس كيف يزكون أنفسهم. لا أن نأت لنصب جامَّ غضبنا على الدنيا نفسها التي هي نعمة عظيمة من نعم الله، والتي للإنسان دور مهم فيها، في تحقيق عبادته لله سبحانه وتعالى، وشهادته بكمال إلهه، نتجه إلى النفوس ونذكر الناس كيف يتعاملون مع الدنيا، كيف يملكون الدنيا ولا تملكهم، كيف يكون همهم أن يعملوا أعمالاً صالحة من خلال ما يملكون، وعلى الرغم مما يملكون، وأن ينشدوا ذلك المقام الرفيع وهو أن يكونوا ضمن عباد الله الصالحين في هذه الدنيا وفي الآخرة.
أيضاً يقول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(الأحقاف: من الآية15). ويصف أولياءه سبحانه وتعالى بأنهم يشكرون نعمته فيقول عن نبي الله إبراهيم (صلوات الله عليه): {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (النحل:121) وموسى (صلوات الله عليه) يتمثل شكره لتلك النعمة في قطع عهد على نفسه فيقول: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}(القصص: من الآية17).
من منا يقول هذا؟ من منا عندما يرى أمواله التي تدر عليه مبالغ كبيرة، من منا يقول هذا عندما يرى نفسه أنه أصبح في موقف حق وفي عمل حق؟. وأنه وفق لأن يكون ممن ينطقون بالحق، ويعملون بالحق ممن يهدون بالحق وبه يعدلون فيقطع على نفسه عهداً أمام الله {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} هل تتصورون بأن موسى دخل من طرف مزرعته وفيها ما لا يقل قيمته عن نحو مليونين دولار من ثمار وممتلكات وآليات داخلها فقال: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ}؟ بل رأى نفسه أنه أصبح إنساناً استطاع أن يقول الحق، وأن يقف موقف الحق، وأن يقف في وجه الظالمين، فكانت هذه هي النعمة الكبرى.
هذه هي من أهم الأشياء التي تخلق لديك حصانة عن أن تنخدع بالآخرين الذين ينطلقون يثبطون الناس؛ لأنه من هو ذلك الذي يمكن أن يؤثر فيك وأنت ترى ما أنت عليه نعمة عظيمة، ستسخر منه أنت؛ لأنك ترى ما أنت فيه نعمة عظيمة؛ ولأنك تحس بأنك وفقت إلى نعمة عظيمة من خلال مقارنتك أنت للآخرين الذين يبذلون أموالهم وأيديهم وألسنتهم وأنفسهم في طريق الباطل وفي خدمة الباطل، وأنت تعرف أين سيكون مصيرهم، سترى أنت أنك في نعمة عظيمة فتصبح ممن يكون من المستحيل أن يؤثر عليه الآخرون بدعاية أو تضليل أو خداع أو ترغيب أو ترهيب، يصرفونه عما هـو فيه؛ لأنـه يرى مـا هـو فيه نعمة، نعمة دفعته إلى أن يقول: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}.
ويذكر الله عن نبيه نوح أيضاً فيقول: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً}(الإسراء: من الآية3) هكذا تجد شكر النعم الإلهية في مجال نعمة الهداية والنعم المادية المتعددة شكرها وتذكرها من أهم صفات أولياء الله؛ لما لها من أثر كبير في ربطهم بوليهم، بالله سبحانه وتعالى
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله نعم الله الدرس الرابع
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 21/1/2002م
اليمن - صعدة