هناك أسباب عديدة تطرح كسبب لمحاولة هدم البيت الحرام إلا أن الحقيقة هي أنه في ذروة استحكام قبضة الطاغوت، وسيطرة المستكبرين تحرك أصحاب الفيل بهدف القضاء على ما يعتبرونه تهديداً مستقبلياً، فالآثار والأخبار والمؤشرات قد عرفوا منها أن مبعث النور والخلاص آت بقدوم خاتم الأنبياء من مكة البيت الحرام في ذلك العام، فتحركوا بجيشهم، يريدون السيطرة المباشرة، ووأد المشروع الإلهي في مهده، والقضاء على الرسالة الإلهية، تماماً كما فعل فرعون في سعيه للحيلولة دون المشيئة الإلهية في أمر موسى عليه السلام ففشل وخاب، ويسعون أيضاً إلى هدم الكعبة بيت الله الحرام المقدس ومعلم الشعائر الدينية والرمز المتبقي في اجتماع كلمة العرب آنذاك على تقديسه، مع اختلافهم في كل أمورهم الأخرى، وفي مقدمة جيشهم اصطحبوا فيلاً ليرعبوا به العرب ويخيفونهم بهذا الكائن غير المألوف لديهم والحيوان الكبير، الذي رأى فيه الكثير أنه أمر لا يقاوم.
ومع قداسة البيت الحرام لدى العرب التي توارثوها من عهد نبي الله إبراهيم الخليل وابنه نبي الله إسماعيل عليهما الصلاة والسلام وارتباطهم بشعائر الحج إلا أنهم نتيجة للفرقة والاختلاف والشتات الذي كانوا فيه، والمفاهيم الظلامية التي سيطرت على تفكيرهم ورؤيتهم للأمور والخلل الذي كانوا يعانون منه في كل واقعهم وفقدانهم الأمل في الله تعالى لم يتحركوا بجدية في مواجهة أصحاب الفيل، وغلبت عليهم الهزيمة واليأس وهربوا من المواجهة وقالوا في الأخير: (للبيت رب يحميه) فحمى الله بيته الحرام وأنفذ مشيئته بقدوم المولود المبارك محمد ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم›
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف:21]
. أما أصحاب الفيل فأهلكهم، وأما كيدهم ومكرهم فبطل وضل وانتهى ولم يتحقق لهم ما أرادوا، فمشيئة الله تعالى ورحمته بعباده أتت بالخلاص وبالفرج بعد أن بلغ الضلال ذروته، واستحكمت سيطرة الطاغوت والاستكبار في كل أقطار الدنيا، وملأت بظلامها قلوب البشرية فأعمت بصائرهم، وبظلمها الذي سيطر على واقعهم فأشقت حياتهم. قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم :
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)} [الفيل:1- 5] صدق الله العلي العظيم.