هكذا نجد أن الشهداء عندما انطلقوا في ميادين الجهاد في مواجهة قُوى البغي قوى العدوان قوى العمالة قوى النفاق انطلقوا بإيمانهم، يبيعون أنفسهم من الله سبحانه وتعالى ويسلمون السلعة لمالكها الذي اشتراها، وهكذا هو شأن الإنسان المؤمن، وهذه حقيقة يجب أن نُرسِّخها في أنفسنا: شأن الإنسان المؤمن أن يبيع نفسه من الله أن يكون حاضرًا مستعدًّا في أي وقت في أي لحظة لتسليم هذه السلعة إلى بارئها العظيم ومالكها جل شأنه، إلى الله العظيم.
وهم عندما انطلقوا بإيمانهم بالله محبُّون لله، محبُّون لله، هذا الحبُّ العظيم لله ربِّ العالمين جعلهم يذوبون في الله، واندفاعهم في مواقفهم في جهادهم في تضحيتهم جعل عندهم استعدادًا أن يفارقوا كل ما يحبُّون، كل ما يحبُّون.
هم لهم مشاعر، الشهيد لديه مشاعر ولديه عواطف هو يحب أهله، هو يحب أصدقاءه، هو يحب متعلقات حياته، لكنه يحبها في مستواها، أما حبه الأكبر والأعظم فهو لله العلي العظيم، يحب الله أكثر مما يحب أي شيء آخر، وحبُّه لله حبُّه الكبير لله سبحانه وتعالى جعل عنده الاستعداد أن يفارق كل ما يحب للوصول إلى الحبيب العظيم إلى الله سبحانه وتعالى.
وإلا الإنسان عندما يفوق ويغلب حبُّه لمتعلقات حياته من قرابة أو تجارة أو مسكن أو أي شيء أكثر من حبِّه لله يفوق حبَّه لله حينها يُقيّد بقيود الحب لمتعلقات هذه الحياة الدنيا، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّـهَ بِأَمْرِهِ وَاللَّـهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ)[التوبة:24] والله لا يهدي القوم الفاسقين.
إن كان شيءٌ من هذه المتعلقات متعلقات الحياة من قرابة أو مال أو مسكن أو تجارة أو أي شيء أحب إليك من الله أو رسوله والجهاد في سبيله فحينئذٍ أنت بعيد عن خط الإيمان، أنت من يمكن أن تُقَيَّد بهذه القيود في حُبِّك ومشاعرك واندفاعك وتعلُّقك فترضخ للباطل، وتبتعد عن الله سبحانه وتعالى، معناه: أن عندك قصورًا كبيرًا، ما الذي يدفعك إلى حب الأشياء الأخرى أكثر من الحب لله؟!
(من كلمة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد 1434هـ)