{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} (الكهف12) هذا موجز القصة، خلاصتها، ثم يقول في تفصيلها: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} (الكهف13) مؤمنون بالله، ومنشدين إلى الله انشدادًا قويًا.
{فِتْيَةٌ} مجموعة شباب، {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ}، ونحن ما كل واحد يدعي أنه مؤمن؟ لكن يوجد فوارق كبيرة جدًا بين إيمان مجرد كلام، إيمان لا يحرك ساكنًا في مشاعرك، إيمان ما يوجد لديك أي غضبة لله سبحانه وتعالى، هذا إنما هو مجرد عنوان إيمان، مجرد اسم. هؤلاء {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} (الكهف14) قوى قلوبهم، وهذه هي قضية عندما يقول عنها في المقدمة بأنها آية من آياته، آية لنا المتأخرين نعرف، ليعرف الناس أنهم إذا انطلقوا مؤمنين بالله بشكل صحيح، مؤمنين بالله بشكل جاد، فإن الله يقوي أنفسهم؛ لأنه هو الذي يتحكم في نفوس الناس.
هذه أيضًا تلغي أمامك كثيرًا من التقديرات التي تحصل عند كثير من الناس، عندما يتحرك الناس في عمل، فيكونون في الأخير ينظرون أن ما معهم مشايخ كبار، وينظروا ما معهم علماء كبار كثير، ولا وجهاء، ولا تجار، فكأنهم يرون أنفسهم ضعافًا! لا، هنا يقول لك: أن الناس إذا انطلقوا بصدق فإنه يرفعهم هو سبحانه وتعالى، وفي الأخير ترى في يوم من الأيام أولئك الآخرين، الذين تراهم الآن كبارًا، تراهم صغارًا، يصغرون فعلًا، يتهمشون، يضيعون.
وهذه لها أمثلة من واقع الحياة، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما بعث ما هو بعث نشأ يتيمًا، ونشأ فقيرًا، بعثه الله رسولًا وفي مكة وفي الطائف وفي مجتمعه شخصيات كبيرة ووجهاء، عمل على أن يسلموا أن يؤمنوا، لم يرضوا.
الآخرين الذين كانوا عنده، كان كثير منهم مجموعة من الناس، يبدو مساكين، ما كان يتنازل الآخرون أن يأتوا إليه، أولئك الكبار: الوجهاء، والعباقرة، ما كانوا يتنازلون يأتون إلى عنده، يقولون: اطرد هؤلاء من عندك.
ما الذي حصل بعد؟ هذه هي سنة إلهية، الله رفع أولئك الذين كانوا مستضعفين، ونفوس ضعيفة، وقلوب ضعيفة، عندما انطلقوا مؤمنين، رفعهم وقوّى قلوبهم، وأصبح أولئك الكبار أين؟ في أسفل سافلين، وأصبحوا تحت أقدامهم صرعى في بدر. ألم يحصل هذا؟
هذا يعطي الإنسان ثقة بأنك أنت ما تقول [ماذا سنعمل نحن، لا معنا تجار مثل هؤلاء، ولا، وكم سنمحو مما يعمل اليهود، احنا احسب أن احنا ضعاف] ويحس واحد بنفسه وكأنها أنها ضعيفة!
يجب أن تفهم أن الله هو من يصنع النفوس، ويقوّي القلوب هو، وأن أولئك الذين يرون أنفسهم مساكين، وكأنهم أغبياء، ما معهم عباقرة، ما معهم مفكرين، ما معهم مثقفين، ما معهم كذا، أن الله سيعطيهم المعرفة، ويعطيهم العلم، ويعطيهم البصيرة، وينور قلوبهم، ويقوي قلوبهم، فيصبحوا عظماء فعلًا. وترى الآخرين مهمشين. هذا الذي حصل، عباقرة قريش، وجهاء قريش، كبار قريش [انتهوا وتهمشوا فعلًا].