ثم يجب أن نعرف كيف يجب أن تكون كيف ينبغي أن تكون علاقتنا بالقرآن الكريم كمؤمنين، ننفتح عليه بكل قلوبنا، بكل مشاعرنا نتعامل معه ككتاب عظيم من الله العظيم، كتاب مُقدَّس له أهميته، ندرك وظيفته، نقدِّسه، نعظمه، ننظر إلى تعاليمه أنها من الله فنقدِّسها ونعظمها ونحترمها ونتعامل بكل جديَّة معها، فنكون متفاعلين مع هذا الكتاب بقلوبنا، بمشاعرنا في واقع حياتنا، ونبني علاقة قوية قائمة على شعور يُجلُّ ويُعظِّم ويُدرك قيمة هذا الكتاب.
ولهذا يحكي الله عن عباده المؤمنين كيف هم.. كيف هم مع القرآن الكريم، حينما تتلى عليهم آياته، حينما يُذكَّرون به، حينما يُقدَّم إليهم من خلاله توجيهات من الله أو نواهي من الله أو مواقف يدعون إليها من كلمات الله، يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال:2] للقرآن أثره في أنفسهم، يزدادون به إيماناً، قناعة بالحق، وارتباطاً وثيقاً بالله، وإذعاناً للحق، وبصيرة نافذة ووعياً عالياً، له أثر في أنفسهم، يقول سبحانه وتعالى عنهم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [الفرقان:73] لا.. هم في علاقتهم بهذا الكتاب لا يتعاملون مع ما فيه من توجيهات عندما يُذكَّرون بها أو نواهي ينهون عنها أو مواقف يدعون إليها من خلال آياته وكلماته لا يتعاملون بالصمم وكأنهم لم يسمعوا، ولا بالعمى وكأنهم لم يبصروا.. لا. منفتحون على القرآن متفاعلون معه من موقع العمل والاتباع والاهتداء والتمسك.
بل أكثر من ذلك يصل الحال في واقع الإنسان المؤمن وعلاقته بهذا الكتاب تنمو، وروابطه تقوى، وتأثره يزداد إلى مرحلة عجيبة.. إلى مرحلة عجيبة حكاها الله جل شأنه في قوله سبحانه وتعالى:﴿ اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء﴾[الزمر:23] هكذا تصل، تنمو العلاقة مع هذا الكتاب، التأثر بما فيه من هدى وهو مؤثِّر فيصل إلى هذا المستوى، تأثير إلى العمق إلى عمق القلوب، إلى عمق المشاعر فينعكس هذا الأثر حتى على الجلود.. حتى على الجلود التي تقشعر وهي تشعر بالخشية من الله سبحانه وتعالى؛ لأن القرآن بحقيقته بخطابه بكلماته بمحتواه بمضامينه هو مؤثر ومؤثر ومؤثر إذا انفتحتَ عليه، إذا تمسكت به، إذا تمسكت به وتوجهت إليه، الله يقول عنه: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا﴾ [الحشر:21] جبل جبل بصخراته الكبيرة الصماء القاسية، جبل قد تحتاج لاقتلاع شيء من صخراته إلى متفجرات قوية، لكن هذا القرآن سيصنع فيه أكثر من قوة تلك المتفجرات، ﴿لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر:21].
ينادينا الله ويحذرنا من أن نتعامل مع هذا الكتاب بحالة روتينية جافة فنفقد تفاعلنا من قلوبنا مع هذا الكتاب مع طول الأمد وكثرة المؤثرات، فيقول سبحانه وتعالى:﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾[الحديد:16] وما أسوأ قسوة القلب - والعياذ بالله -.
يأمرنا الله أن ننفتح على هذا الكتاب، نُصغي له، نتأمله، نتدبره، نستمع له، نتفهمه، نحرص على أن نتثقف بثقافته على أن نستوعبه، نستوعب ما يهدي إليه فيقول:﴿ وَإِذَا قُرِىءَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأعراف:204] وعبارة فاستمعوا أكثر وأبلغ من عبارة: فاسمعوا، استمع حتى بقلبك ومشاعرك وتوجهك.
﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُـهَا﴾ [محمد:24] يُحذر من حالة الإعراض عن هذا الكتاب، من سوء العلاقة معه، من التجاهل لتوجيهاته، من الصمم عن تعاليمه وأوامره، ويصور لنا نتائج نتائج سيئة جداً جداً لمن يُعرض عن هذا الكتاب، من لا ينفتح عليه، من لا يتفاعل معه، فيقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف:57]، لا أظلم ولا أسوأ من إنسان يصل إلى هذا المستوى يُذكَّر بآيات ربِّه، آيات فيها أوامر تأمره بعمل ما يجب عليه أن يعمله، أو تنهاه عن شيء ما يجب عليه أن ينتهي عنه، أو ترشده إلى موقف عليه أن يتبناه، تدله على خير ليعمله، تحذِّره من شر ومن سوء ليتجنبه، تُبصِّره بحقائق معيَّنة يجب أن يعيها فيُعرض، كيف يُعرض؟.
هل يقول بوجهه هكذا.. لا يستجيب، لا يعمل، يتجاهل ما ذُكِّر به، يتجاهل ما ذُكِّر به من خلال تلك الآية، من خلال ذلك النص القرآني فلا يعمل ما ذُكِّر به من عمل تضمنته آية قرآنية، أو لا ينتهي عما نهاه الله عنه في آية أخرى، أو لا يعي حقيقة من الحقائق التي عندما لا يعيها يؤثر هذا سلباً عليه في توجهاته ومواقفه، يخسر، يُخذل، يُخذل عندما يتعامل بالصمم وكأنه أصم وكأنه لم يسمع، وكأنه لا يرى، ويتجاهل ما هو عليه من سلوك سيء ﴿وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ يتجاهل ما هو عليه، من سوء ما هو عليه من تقصير فلم يتزحزح عن واقعه، لم تؤثر فيه آيات ربِّه ليعمل ما هو مقصر فيه من عمل، أو متنصِّل عنه من مسؤولية، أو لينتهي عمَّا يقترفه من سوء وما يعمله ويرتكبه من معاصي، لا أظلم، لا أسوأ عاقبة، ظلم نفسه، وظلم الواقع من حوله.. مثل هذا النوع لا يمكن أن يؤثر فيه شيء آخر.
إذا وصل الإنسان إلى مستوى لا يتأثر فيه بآيات ربِّه، لا تؤثر فيه كلمات الله، لا تصل إلى قلبه، لا تؤثر في مشاعره، لا تغير في واقعه فقد وصل إلى مستوى سيء وسيء من الخذلان، فلا يمكن أن يؤثر فيه شيء آخر أو ينفع فيه شيء آخر، أبلغ الحديث وأصدق القول وأحسن الحديث: كتاب الله، كلمات الله، فإذا لم تعد تؤثر فيك معناه أنك - والعياذ بالله - وصلت إلى أسوأ مستوى، من أظلم، من أسوأ حالاً، حال سيء يصل الإنسان فيه إلى أن يكون مخذولاً من الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال: ﴿وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ لأنهم وصلوا إلى أسوأ حال.
يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الجاثية:7-8] آيات الله عندما تسمعها عندما تُتلى عليك لها مضامين، آيات فيها أوامر، آيات فيها توجيهات، آيات فيها مسؤوليات، آيات فيها نواهي، آيات فيها تحذير، آيات تربوية، آيات تبصرك بحقائق لها مضمون إذا لم تتفاعل مع ذلك المضمون عملاً فيما عليك أن تعمل وفيما تُدعى إلى عمله، انتهاءً واجتناباً بما تُنهى عنه من خلال ذلك المضمون للنص القرآني لكلمات الله.. إلى آخره.
إذا لم تتفاعل تفاعلاً إيجابياً من واقع عبوديتك لله فتسمع وتطيع وتلتزم وتتقبَّل فأنت في حالة خطرة، الله سيؤاخذك سيعاقبك؛ لأنه ملك، ما تسمعه من آيات الله ليست مقترحات، ليست عبارة عن تقرير صحفي أو مقترحات من إنسان، هي أوامر ربِّك مَلِكُك إلهك من مصيرك إليه، يحاسب ويجازي ويؤاخذ من لا يتقبل توجيهه، من لا يسمع له ولا يطيع يعذِّبه، يترتب على ذلك الشقاء الكبير والخسران الكبير.
ولذلك هذا الكتاب المُقدَّس ليس كتاباً عادياً نأخذ به أو لا نأخذ، نستفيد منه أو لا نستفيد المسألة عادية، لا!.. عواقب الإعراض عنه، الإعراض عما تضمنه، الرفض لتوجيهاته، الابتعاد عنه، عدم الاهتداء به له ثمن، ثمن باهض، عواقب سيئة جداً؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً لرسوله محمد صلوات الله عليه وعلى آله الذي كان هو المبلِّغ لهذا الكتاب، والذي سعى إلى إقامة هذه الرسالة التي تضمنها هذا الكتاب: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَامَةِ وِزْرًا﴾ [طه:99-100] ذنب كبير وثقيل، حِمل ثقيل، الإعراض عن القرآن الكريم مجمع لكل الذنوب يترتب عليه كل الآثام ﴿خَالِدِينَ فِيهِ﴾ [طه:101] في نتائج ذلك الذنب، في عواقبه، في عذابه ﴿وَسَاء لَـهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ حِمْلاً﴾ [طه:101] ما أسوأه من حمل، ما أسوأه من ذنب، ما أسوأ عاقبته، ما أشد عذابه.
يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾ [طه:123] نتيجة عظيمة، سعادة، خير في الدنيا والآخرة، لا ضلال ولا ضياع ولا شقاء؛ بل سعادة وهدى، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى﴾ [البقرة:124-126] الشقاء في الدنيا والضياع، ضياع الحياة، ضياع العمر، ضياع بلا هدف ولا وجود قائم على حقائق وأشياء أساسية لها عواقب إيجابية، ضياع وخسارة شاملة، ومعيشة ضَنَك لا سعادة فيها، حتى من تتوفر لهم الإمكانيات المادية، حتى من لديهم الملايين والمليارات هم يعيشون الشقاء في أنفسهم حينما يكونون مبتعدين عن هدى الله ولا ينعمون بالسعادة لو ملكوا من الدنيا ما ملكوا ولو حازوا ما حازوا.
حساب وسؤال ويوم القيامة المعيار.. المعيار الأساس لنجاتك أو خسرانك هو هذا:﴿ أَتَتْكَ آيَاتُنَا ﴾، وإذا كان الإنسان أعرض في الدنيا، لم يتبع، لم يتمسك، لم يهتد فالنتيجة هي هذه تنسى من كل خير، هذه هي عواقب الإعراض عن القرآن الكريم، عواقب غياب توجيهاته وإرشاداته، المواقف التي يرسمها ويدعو إليها جليَّة في واقع أُمتنا المسلمة اليوم ضعفاً سقوطاً تحت هيمنة أعدائها، شقاءً وعناءً في كل أمور الحياة، اختلافاً وتفرقاً وشتاتاً لا نضير له في العالم، خسارة كبيرة جداً، ولا بدائل.. ليس هناك شيء أرقى من القرآن فيُتبع، ولا أحسن منه فيُعتمد، ولا أحكم منه فيُتمسك به.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بعنوان القرآن الكريم
7 رمضان 1433هـ