ومع ذلك كله تكريم، الحياة في الجنة النعيم المادي يتوفر فيها على أرقى مستوى وبدون أي عناء ولا تعب وبتكريم، على المستوى المعنوي يقال لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة: الآية24]، {هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الطور: من الآية19]، كل عبارات التكريم والتي تشعرهم بأنَّ: أنتم جديرون بهذا النعيم بأعمالكم، مع أنه برحمة الله وبتوفيقه، الإنسان حتى في العمل الصالح يحتاج إلى توفيق الله -سبحانه وتعالى- والله هو المتفضل والمنعم الكريم، مع ذلك حالة من التكريم، {هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، هذا تكريم كبير.
{وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد: 23-24]، حتى هذه الزيارات من وفود الملائكة التي ترحب بهم، وتهنئهم، وتبارك لهم ما وصلوا إليه من النعيم، مبروك وصلت إلى نعيم عظيم.
وليس لهم من شغلٍ شاغل إلَّا أن يتهنؤوا بما هم فيه من النعيم، يتنعمون، هم في حياة كلها حياة سعادة، {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ}[يس: 55-57]، أي شيء تريد سيوفِّرونه لك، هناك الخدم الذين هم جاهزون، أولئك الخدم الذين هم كاللؤلؤ المكنون، وكلهم نشاط لتوفير كل ما تريده وتحتاجه.
{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}[يس: الآية8]، وهذا أيضاً من التكريم العظيم، يسلِّم الله عليهم، ويصلهم السلام من الله قولاً وهم أيضاً في دار السَّلام التي أعدها الله لهم يعيشون حالة النعيم، وفي حالة رضا عن الله، ورضا بما وصلوا إليه، والله قد رضي عنهم، وهذا أيضاً من التكريم، وأن يحسوا بأن هذا الذي هم فيه من النعيم هو تعبيرٌ عن رضا الله -سبحانه وتعالى- وعن محبته لهم، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[البينة: من الآية8]، هم أيضاً في رضا عما عملوه وعما قدموه، من وهو في ساحة المحشر يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}[الحاقة: من الآية19]، يعيش هذا الرضا عن عمله، عن جهده، عن سعيه، عن مواقفه، عن اتجاهاته التي كانت نتيجتها تلك.
ولا ملل، هم في ذلك النعيم لا يملّون منه، الله جلَّ شأنه قال عن الجنة: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}[الكهف: الآية108]، لا يريدون الانتقال منها إلى غيرها من الملل، لا ملل، نعيم متجدد، مفاجآت بعد كل فترة من أنواع النعيم موديلات جديدة من الأشياء التي يهيئها الله لهم، أشياء كثيرة وجو ليس فيه ما يبعث على الملل ولا السآمة، سعادة هنيئة وطيبة وأبدية لا نهاية لها، ومع ذلك يمكنهم أن يشاهدوا- كما نحن اليوم تطلعنا مشاهد فيديو- أن يشاهدوا ما فيه أهل النار ببث مباشر، وأن يشاهدوا ما أهل النار فيه من العذاب الشديد، والضنك، والمصائب الرهيبة جداً والعياذ بالله.
طريق الجنة طريقٌ سهلة، الله يدعونا إليها، حتى التفاصيل التي يعرضها عن الجنة هي ترغيبٌ لنا، الله يعرضها علينا هنا في الدنيا، هل تريدون هذه الجنة، الله يدعونا إليها، {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}[يونس: من الآية25]، ينادينا أن أقبلوا، أن هلموا إلى هذه الجنة، أعمالها ميسرة، أعمال الجنة والعمل الصالح أيسر من الأعمال التي توصل إلى النار، طريق الجنة أسهل من طريق النار، الله وصفها باليسرى في القرآن الكريم، أحلَّ لنا الطيبات، وحرَّم علينا الخبائث، هل هذه مشكلة؟ كم نسبة ما أحلَّ الله لنا وجعله طيِّباً؟ كثير جداً في مقابل ما حرَّم وهو خبيث وشيء محدود، المسؤوليات التي أمرنا بها فيها خيرٌ لنا في الدنيا والآخرة، وهي أيضاً لمصلحتنا، تنصلنا عنها له تبعات في الدنيا أكبر، وما أهل النار فيه من الأعمال التي تقابل تلك المسؤوليات هو أصعب، ومع هذا فتح الله لنا مجال الاستعانة به، وأن نسأله التوفيق، وأن نسأله أن يعيننا، ويعين، ويوفِّق، ويمنح العطاءات الواسعة جداً في الدنيا أيضاً: عزة، وكرامة… وأشياء كثيرة، ولو أنَّ هذه الحياة لا تخلو من المنغصات، لكن الإنسان يتطلَّع إلى ما عند الله، وحياة أبدية في مقابل حياة قصيرة، كل ما فيها متاع ومحدود.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الرابعة1441 هـ
حسم مسألة الحساب.. وتقرير المصير.