عبدالملك العتاكي
حين يطلُّ علينا هلالُ رجب، يشعر اليمانيون أنَّ ثمة رحمةً إلهيةً خَاصَّة تتهيأ للنزول؛ فهو "الأصبّ" الذي يصبُّ الله فيه فضله على القلوب صبًّا، وهو المحطة التي نقف فيها لنغسل أرواحنا من عناء الدنيا قبل أن نصل إلى رحاب شعبان ورمضان.
بالنسبة لنا في اليمن، ليس رجب مُجَـرّد أَيَّـام في التقويم، بل هو بوابةٌ ندخل منها إلى "حضرة القدس" وتزكية النفس، لنكون لائقين بضيافة الله الملك القدوس.
إنَّ رجب في وجداننا هو "نهر الله" الصافي؛ فيه نستنهضُ قِيَمَ التسليم المُطْلَق للخالق، ونُجدد فيه تلك البيعةَ الفِطريةَ الصادقةَ لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، ولأعلام الهدى الذين أناروا لنا دروبَ الحق بمواقفهم وتضحياتهم.
نحن اليمانيين نرى في هذا الشهر فرصةً لترميمِ علاقتنا بالله، وميقاتًا لتعزيز هُـويتنا الإيمانية التي تميزنا بها كأنصار لهذا الدين منذ الفجر الأول.
وتتجلَّى عظمةُ رجب في ذاكرتنا من خِلال "جمعة رجب" المباركة؛ اليوم الذي أشرقت فيه شمسُ الإسلام في قلوب أجدادنا حين وصل إلينا الإمامُ علي بن أبي طالب عليه السلام.
إنَّ احتفاءَنا بهذا اليوم ليس مُجَـرّد ذكرى عابرة، بل هو إعلانٌ للعالم بأنَّ إسلامنا بُني على الحب والتسليم، وعلى "تولٍّ" صادق لآل بيت النبوة الذين هم سفن النجاة.
لقد دخل الأجداد في دين الله بفضل حكمة "باب مدينة العلم"، ومنذ ذلك الحين صار رجب هو موسم الولاء وتجديد العهد مع الله ورسوله والوصي.
وفي هذه الأيّام الحُرُم، تلهج ألسنتنا بتعظيم الله وتقديسه في كُـلّ ميدان؛ في المساجد العامرة بالذكر، وفي جبهات العزة، حَيثُ يُسطِّرُ المجاهدون أروع معاني الاستقامة.
إن رجب يعلمنا أنَّ المؤمن القوي هو من يرتبط بالله ليفوز برضوانه؛ فتتزيَّنُ أيامُنا بذكرى "الإسراء والمعراج" التي ترفع رؤوسنا فخرًا بنبينا، وبذكرى ميلاد الإمام علي "وليد الكعبة" الذي علَّمنا أنَّ الحَقَّ لا يُهزَم.
إننا ندعو الله في هذا الشهر بلُغة الواثقين بنصره، المتبرئين من أعدائه: "اللهم بحق هذا الشهر الحرام، وبجاه نبيك وعترته الطاهرة، بارك لنا في رجبنا، وزدنا بصيرةً في دينك، وثباتًا في مواجهة الطواغيت والمستكبرين.
اللهم اغسل قلوبنا ببرد عفوك، واملأ أرواحنا بعظمتك، واجعلنا من خيار عبادك الذين توليتهم برعايتك".
هكذا يظلُّ رجب في يمننا يفوحُ بعطرِ الولاية، وبوابةً نعبُرُ منها بجهادِنا وصبرِنا نحو رِضوانِ الله ونصره المبين.





.jpg)
.jpg)
