{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(السجدة:13). هناك في الوسط أشياء كثيرة جدا بين {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} وبين {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} لا تعني العبارة بأنه كان بإمكاني أن أهدي كل شخص.. ولكن سبق مني يمين أن أعذبهم وسأعذبهم.. لا.. ليست القضية على هذا النحو.
لقد هدى الهداية الكافية، وتوعد هنا في الدنيا أولئك الذين قدم إليهم هداه {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال: من الآية24) {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول لعلكم ترحمونَ}(النساء: من الآية59) ألم يكرر حديثه مع الناس وهو يهديهم؟ وفي نفس الوقت قال إذا ما سرتم في طريق الشيطان إذا ما اتبعتم الشيطان فإني قد أقسمت {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(السجدة: من الآية13) ممن تبع الشيطان {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}(الأعراف: من الآية18) أقسم أن يملأ جهنم من أين؟ ممن تبع الشيطان، ممن أعرض عن الهدى، ممن أعرض عن ذكر الله، ممن رفض الإذعان والتسليم لله سبحانه وتعالى.
سبق القول منه ليس كما يقول الواحد منا: [لا بأس والله إنه حقيقة لكن قد زلت كلمة مني ما عاد سبر إلا كذا.. تريد أفجر] لا.. قد سبق القول في الدنيا، أنه سيملأ جهنم ممن يتبعون الشيطان وقد علمنا طريقة الشيطان وحذرنا من الشيطان.. ألم يقل إنه لكم عدو فاتخذوه عدوا {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر:6) لقد سبق كل شيء منه، وعده هو لا يمكن أن يتخلف، وسيرى هؤلاء أيضا الذين وقفوا منكسين لرؤوسهم ويقولون هذا الكلام سيرون أنفسهم عندما يساقون إلى جهنم أنه لا عذر لهم إطلاقا، وأنهم جديرون بأن يساقوا إلى جهنم..
{أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ}(الأنعام: من الآية30) {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}(السجدة: من الآية14).
ليست كلمة زلة مني وضحت في الدنيا كل شيء، وهداي كان شاملا لكل شيء وعلى أبين ما يمكن أن يكون الخطاب معكم أنتم من كنتم تتناسون.. إذاًُ {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} يومكم هـذا ما هـو؟ يوم القيامة.. {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} كنتم في الدنيا ناسين لهذا اليوم لا تحسبون حسابه ينذركم المنذرون عن خطورة هذا اليوم، ويبيّنون لكم طريق النجاة في ذلك اليوم، فكنتم تنسون كل شيء، وتتناسون كل شيء.. إذاً فذوقوا أثر نسيانكم {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} وإن كنتم تنكسون رؤوسكم بين يدي وتقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} لا سماع لكلامكم هذا، أنتم منسيون أنتم متروكون؛ لأنكم أنتم من نسيتم أنفسكم.. هكذا يعني الكلام من الله سبحانه وتعالى فيما نفهم.
{فَذُوقُوا} يقول لمن؟ لأولئك الذين هم ناكسوا رؤوسهم عند ربهم {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} يقول لهم: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (السجدة:14). بأعمالكم أنتم يا من تقولون نريد أن نرجع فنعمل صالحا غير الذي كنا نعمل، كنتم تعملون الأعمال السيئة، وكانت قائمة الأعمال الصالحة أمامكم واضحة، فكنتم من تنصرفون عنها، وتذوبون في تلك الأعمال الباطلة القبيحة الشريرة التي أوصلتكم إلى هذه العاقبة السيئة.. {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(السجدة: من الآية14). الله لا يظلم أحداً. لا يظلم الناس مثقال ذرة لا في الدنيا ولا في الآخرة، فهذا العذاب هو بأعمالكم أنتم، وأعمالكم التي كنتم تنطلقون فيها بكل جراءة.
أوليس الناس في هذه الدنيا في الباطل ينطلقون في الأعمال الباطلة برغبة؟ وينفقون أموالهم في الباطل، ويتحركون في الباطل، بل يلومون من يتحرك بالحق أليس كذلك؟. هل أحد هنا في الدنيا يكره الناس على الباطل؟ هم من ينطلقون في أعمال الباطل برغبتهم وبشوقهم ويبذلون من أجله نفوسهم وأموالهم.
هذه آثار أعمالك تلك التي كنت في الدنيا لا تكره عليها من جانب أحد، وكنت في الدنيا أيضا قد حذرت من عواقبها.
إذاً هي تلك الأعمال التي أضعتها, التي لم تكن تنساق إليها إلا كرهاً ومجاملة، لم تكن تنطلق فيها إلا بتثاقل، إلا بتحيل وتملص، هي الأعمال التي ستطالب بها يوم القيامة.
أوليس الناس هنا في الدنيا كل من تحرك ليرشد الناس لينذر الناس تلمس من الناس تثاقل نحو الأعمال الصالحة؟ أوليس الناس هكذا؟ يتثاقلون ويتباطئون، بينما هو يقول أن المفترض هو أن الناس يتسابقون نحو الأعمال الصالحة، ويسارعون إليها، لكن الأعمال الباطلة كلمة واحدة، واتجهوا إليها.. أليس كذلك؟.
أليس الناس ينطلقون في الأعمال الباطلة دون توجيه ودون إرشاد؟ بل يكتفي الشيطان وأولياء الشيطان بوسوسة وأنت ستنطلق أوتوماتيكيا وبكل رغبة.
الشيطان يوسوس لكن الله هنا يصدر آياته ويملأها إنذاراً، ويملأها هداية، وتتكرر على مسامع عباده دائماً، فلا ينطلقون، لا ينطلقون في أداء الأعمال التي ترشد إليها كما ينطلقون في الأعمال التي يوسوس لها الشيطان وسوسة!.
المنافقون أليسوا يؤثرون في الناس أكثر مما يؤثر المصلحون؟ لأننا نحن لم نتهيب من الأعمال الباطلة، ولم نروض أنفسنا على الرغبة في الأعمال الصالحة، وعلى الانطلاق فيها من خلال معرفتنا لآثار هذه، وآثار تلك فننطلق في الأعمال الباطلة ونتثاقل في الأعمال الصالحة، ثم يوم القيامة ستكتشف المسألة أننا سنذوق وبال أعمالنا.
هل ستبقى لأحد منا حجة على الله سبحانه وتعالى إذا ما قيل له: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}؟؟ سترى نفسك أنت أنه [والله فعلا. فقد كنا ننطلق في هذه الأعمال التي جرتنا إلى هذه العاقبة السيئة ولا نرضى نتوقف، ولا نسمع من ينذرنا، ولا نتوقف إذا ما انطلق أحد من الناس يحذرنا عواقبها، ولا نقبل على الأعمال الصالحة التي نحن الآن نبحث عنها].
{فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} سترى أنت نفسك أنه لا حجة لك على الله سبحانه وتعالى؛ لأنه قال لك: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ومن منا سيرى نفسه أنه كان في الدنيا يكره على الباطل؟ ثقلت عليك الأعمال فقيل لك: ذق بما كنت تعمل تلك الأعمال التي كنت تنطلق فيها برغبتك واختيارك، وتنساق من تلقاء نفسك.. هل سترى أن لك عذراً؟ وأنت من كنت تعمل تلك الأعمال على هذا النحو.
لا تتصور بأنها {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أنني كنت في الدنيا أكره على هذه الأعمال، لو كنت تكره لما حسبت عليك، أوليس هذا ملغي في التشريع؟ أن ما أكرهت عليه، كثير من الأشياء التي تكره عليها لا تؤاخذ عليها، كثير من الأشياء تكره عليها لا تعد نافذة لو أكرهت على أن تبيع مبيعا معيناً، أو أكرهت على أن تطلق زوجتك. لا ينفذ، أليس هذا من رحمة الله؟.
إذاً فهذه الأعمال بما كنتم تعملون، هي الأعمال التي كنا لا أحد يوقفنا عن الانطلاق فيها، ولا نصغي لأحد يطلب منا أن نرفضها وأن نتركها، وأن ننطلق في الأعمال الصالحة {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
خطر دخول أمريكا اليمن
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 3/2/2002م
اليمن – صعدة