وصلنا في محاضرة الأمس إلى الحديث عن اليوم العظيم، عن يوم القيامة، عن يوم الحساب والسؤال والجزاء، وعن ما ورد في بعض الآيات المباركة، الآيات القرآنية الكريمة، من مشاهد تحدثت عن ذلك اليوم العظيم في بدايته، وعندما ينفخ الله في الصور تأتي الصيحة الأولى لتدمير هذا العالم بشكلٍ كلي، ولفناء من بقي على قيد الحياة من البشرية وغيرها حينئذٍ، والهول العظيم عندما تأتي الساعة لا يمكن أن يتصوره الإنسان ويستوعبه بمستواه وبحقيقته، إنما قدَّم القرآن الكريم صورة للإنسان وعن مدى الذهول الذي يصيب كل الذين هم- آنذاك- على قيد الحياة، عندما قال الله -جلَّ شأنه- في كتابه الكريم: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} يعني: الساعة هذه والزلزال العظيم الذي يأتي عندما تأتي الساعة، {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى}[الحج: من الآية2]، هذه الحالة من الذهول والرهبة والفزع والجزع والدهشة التي تصيب الناس، وهم يرون هذه الأرض تتزلزل على نحوٍ لم يسبق له مثيل، زلزالاً سبَّب لهم الفناء، هلكوا منه، وانتهت الحياة البشرية على الأرض بالكامل.
الله -سبحانه وتعالى- حذَّرنا وأنذرنا لنحسب حساب هذا اليوم الآتي الذي لا ريب فيه، والذي أصبح قريباً أكثر من أي وقتٍ مضى، البشرية اقتربت من هذا اليوم على نحوٍ لم يسبق له فيما مضى من الأمم الماضية والعصور السالفة، الله -جلَّ شأنه- قال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}[القمر: من الآية1]، قال -جلَّ شأنه-: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}[الأنبياء: من الآية1]، وكل يومٍ من أيام هذه الحياة ينقضي نحن نقترب أكثر وأكثر من هذه اللحظة الرهيبة، من هذا اليوم العظيم، والحالة التي يكون الإنسان فيها منذ الموت، وكما سبق كل إنسانٍ حياته محدودة ومؤقتة وتنتهي بالموت، لكن منذ الموت إلى قيام الساعة هي مرحلة تمر بالنسبة للإنسان بشكلٍ سريع، أول ما يبعث هو يستقل جدًّا تلك الفترة التي أمضاها منذ موته إلى قيام الساعة، وهذا ما تحدثت عنه الآيات القرآنية التي سنقرأ بعضاً منها.
هول الساعة الذي يدمر هذا العالم بكله، ويدمر الأرض تدميراً كلياً، ينسف جبالها، ويسجر ويبخر مياهها وبحارها ومحيطاتها، ويسوي الأرض على نحوٍ تام، لا يبقى فيها أي عوج ولا أي منخفضات ولا مرتفعات، لا منخفضات ولا مرتفعات، {فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً}[طه: 106-107]، يعني: يتبدل هذا العالم، تتبدل الأرض، تتبدل السماوات، كما قال الله: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم: الآية48]، هذه الحالة من تدمير الأرض وتسويتها إلى ساحة مستوية تماماً لتؤدي دوراً آخر، ووظيفةً أخرى، هي في البداية كانت- عالماً لنعيش فيه كبشر- مهيأةً لمعيشتنا ولكل أسباب معيشتنا، أما بعد القيامة فلها وظيفة أخرى ومحدودة ومؤقتة جدًّا.
الله -جلَّ شأنه- يبعث الخلائق ما بعد قيام الساعة، وتدمير هذا العالم، وتدمير الأرض، وفناء كل من كانوا لا يزالون على قيد الحياة، ينفخ في الصور مرةً أخرى، وتأتي صيحة أخرى، صيحة واحدة، صيحة واحدة، فيبعث الله البشر من جديد، ويبعث الخلائق من جديد، ويعيد إليهم الحياة، مشهد البعض تحدث عنه آياتٌ قرآنية مثل قول الله -سبحانه وتعالى-: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}[ق: الآية44]، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}[يس: الآية51]، يقول أيضاً في آيةٍ أخرى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ}[القمر: من الآية7]، هذه حالة البعث السريعة جدًّا التي يبعث الله فيها البشر فيخرجون من بطن الأرض (يخرجون من التربة)، وبشكلٍ سريع (سِرَاعاً) {تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً} فيخرجون، {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} بكثرة كبيرة، كل البشر يبعثون ويخرجون، فعندما يخرجون وبعد عملية الحياة والبعث يقول الله -سبحانه وتعالى- عنهم: {مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ}[القمر: من الآية8].
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
(ساحة الحساب والجزاء)
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة الخامسة / مايو/ 10/ 2019م.