الشعوب ذات الكثافة السكانية عندها سوق ضخمة، استهلاك نشط، وعندما يربطون استهلاكهم بإنتاجهم؛ هنا يحصل النمو الاقتصادي، عندما يرتبط الاستهلاك بالإنتاج المحلي يمثِّل عاملاً مهماً في قوة النهضة الاقتصادية ودعم المنتج المحلي، أين مشكلتنا نحن؟ مشكلتنا في المنطقة العربية ليس استهلاكنا مرتبطاً بإنتاجنا، نحن نستهلك كشعوب عربية، واحتياجاتنا كثيرة، احتياجاتنا كسائر البشر: احتياجاتنا الغذائية، واحتياجاتنا الصحية، واحتياجاتنا فيما يتعلق بالملابس، واحتياجاتنا في ما يتعلق بالبناء والعمران… في كل مجالات الحياة، نستهلك، هذا شيء قائم وحاصل، الاستهلاك مسألة حاصلة وقائمة، ولدينا- في نفس الوقت- نشاط في الحياة كشعوب عربية، نحن أيضاً كشعب يمني: الناس يشتغلون في الزراعة، ويشتغلون في العمران، ويشتغلون… والحياة تمشي، الحياة لا تتوقف، الحياة تمشي، ولكن مشكلتنا هي تعود إلى أن الاستهلاك هذا لا يرتبط بالإنتاج المحلي، لا نتجه إلى أن ننتج ونستهلك مما ننتج، وفي كثيرٍ من الحالات لا يلقى المنتج المحلي الإقبال اللازم من الداخل لشرائه، وإعطائه أولوية في الشراء؛ لتشجيع مثلاً المنتجات من المحاصيل الزراعية، الكثير مثلاً قد يختار أن يشتري من الفواكه المستوردة من الخارج، ولا يشتري من الفواكه المنتجة محلياً، لماذا؟ إما لأن المنتجات الخارجية معلَّبة ومجمَّلة وحظيت باهتمام؛ بسبب إمكانات هناك، واهتمام من حكومات تلك البلدان بمنتجاتها التي تصدرها، ونحن لا يلقى المنتج المحلي الرعاية اللازمة من الحكومة، ولا الوعي اللازم من الجهات المنتجة، من المزارعين، أو الشركات، أو المؤسسات، أو التجار الذين يسوقون هذا المنتج.
عندنا مشاكل قابلة للحل، ونحتاج إلى وعي وإرادة، المسألة هذه في غاية الأهمية؛ لأننا إما أن نتجه بجد إلى بناء واقعنا، وإلى أن ننهض في وضعنا الاقتصادي، وإلَّا أن نبقى نعيش المشكلة ونعالجها بمشاكل أخرى، وبحلول قاتلة، وحلول فاسدة، وحلول لا تمثل حلاً بالفعل؛ إنما هي سبب للمزيد من الأعباء، هناك بلدان تفشل في معالجة الفقر وفي تحقيق النمو الاقتصادي، وتدخل في متاهات كبيرة جدًّا، ومشاكل كبيرة جدًّا، عندما نأتي لربط الاستهلاك بالمنتجات المحلية، ونعمل على العناية بالمنتجات المحلية، هذا يحتاج إلى وعي من المستهلك، من المشترين أنفسهم كيف يركز على شراء المنتج المحلي، ويفهم أنَّ هذه مسألة مهمة بكل الاعتبارات، حتى في الأخير تصل إلى مستوى الحرية، والاستقلال، والكرامة، والقوة، والعزة، والشرف، تصل إلى هذه الأمور؛ لأن السلاح الاقتصادي بيد الآخرين يوظفونه لخنق الشعوب وإذلالها واستعبادها، وهذه مشكلة خطيرة جدًّا على الشعوب، ما إن يتجه شعب ليتحرر؛ حتى يمارسوا عليه الضغوط الاقتصادية، والحظر، والإجراءات العقابية… وهكذا حتى يعاني معاناة كبيرة، ويحاولون أن يضعفوه، وأن يكسروا إرادته، أن يسيطروا عليه، كيف نتحرر؟ لا بدَّ أن نلحظ القوة في الجانب الاقتصادي.
فالجانب الاقتصادي عندما نتجه فيه وضمن اهتمام ووعي عام: المشترون، المستهلكون عندهم في وعيهم في اهتمامهم تركيز على المنتج المحلي قبل المنتج الخارجي، الدولة والحكومة والمؤسسات المعنية عندها اهتمام بضبط مسألة الاستيراد من الخارج؛ حتى لا يضرب المنتج المحلي، ويكون متوازناً بما لا يضر بالإنتاج المحلي، وكذلك المنتج في البلد: المزارع بنفسه، والشركات التي تستقبل من المزارع وتبيع، كيف يحرصون ويهتمون بالجودة، بالإنتاج السليم، بما يساعد على تقديم المنتج المحلي كمنتج منافس للمنتج الخارجي والوارد من العالم الخارجي بجودة عالية، وهذا ممكن، هذا ممكن، كما شرحنا بالأمس في المحاصيل الزراعية إذا اتجهت الدولة لدعم المزارعين، والعناية بالمحاصيل الزراعية، والعناية بسلامتها، والعناية حتى على المستوى الصحي في مكافحة المبيدات القاتلة التي تبيد البشر، وليس فقط تبيد الحشرات أو الآفات التي تصيب الزراعة، بل تبيد الإنسان بكله- في الأخير- بالسرطان أو بغيره، والعناية بالجودة، العناية بالإجراءات السليمة في العملية الزراعية في كل مراحلها، ومن ذلك مراحل الحصاد، ومراحل التجميع، ومراحل التعليب، ومراحل التسويق؛ حينها سيكون هناك معالجة للمشكلة إلى حد كبير.
فالمشكلة السكانية والكثافة السكانية ممكن أن تكون عاملاً في النهضة، كما في الصين، كما في الهند، كما في اليابان… كما في بلدان أخرى استفادوا من كثرتهم كسوق ضخمة للاستهلاك من جانب، وفي نفس الوقت للإنتاج، وأصبح المنظور إلى الكثافة السكانية أنها ثروة بشرية، فهذه النظرة الصحيحة هي التي تجعل الإنسان يتجه إلى الاستفادة من هذه الثروة، وليس نحو معالجات وإجراءات خاطئة، وإجراءات سلبية.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة الثانية عشر