متابعات../
كشفت حادثةُ اعتداء بارجة أمريكية على سفينة تجارية في البحر الأحمر، والتي كشفتها صنعاء هذا الأسبوع، عن هستيريا أمريكية كبيرة تهدّد مصالح المنطقة والعالم بشكل مباشر؛ مِن أجل خدمة الكيان الصهيوني، وهو تهديد يشجعه الصمت الإقليمي والدولي المُستمرّ إزاء تحَرّكات الولايات المتحدة العدائية، الأمر الذي يؤكّـد صوابية الموقف الحازم والتأريخي للقيادة اليمنية تجاه التصعيد الأمريكي.
الحادثة التي كشف عنها ناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، يوم الأحد، اعتدت فيها البارجةُ الأمريكية يو إس إس لابون، على سفينة تجارية مملوكة لدولة الجابون وترفع العَلَمَ الهندي في البحر الأحمر، حَيثُ حاولت البارجة اعتراض طائرة استطلاع يمنية، وأطلقت النار بشكل عشوائي وهستيري؛ ما أَدَّى إلى انفجار أحد صواريخها بالقرب من السفينة، لتخرج بعد ذلك القيادة المركزية الأمريكية ببيان فاضح اتهمت فيه صنعاء بالاعتداء على السفينة؛ مِن أجل تسويق دعايتها حول تهديد الملاحة الدولية.
لقد تعودت الولايات المتحدة تزييف الحقائق لدعم توجّـهاتها العدوانية، لكن ما جرى في البحر الأحمر، كان أكثر من مُجَـرّد صناعة دعاية؛ إذ يبدو بوضوح أن الولايات المتحدة تحاول عمليًّا أن تصنع تهديدًا حقيقيًّا ضد السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر؛ مِن أجل تبرير تحَرّكها العدائي لحماية الملاحة الإسرائيلية.
وقبل كُـلّ شيء، يؤكّـد لجوء الولايات المتحدة إلى هذا الأُسلُـوب أن العمليات اليمنية لا تشكل أي خطر على الملاحة الدولية، وأن واشنطن تحاول الآن افتعال هذا الخطر؛ لأَنَّه لم تستطع أن تثبت وجوده طيلة الفترة الماضية.
ووصول الأمر إلى حَــدّ الاعتداء بشكل عشوائي على سفن تجارية في البحر، يعبر بشكل واضح عن هستيريا كبيرة لدى الولايات المتحدة التي بات واضحًا أنها تشعر بالعجز الكامل إزاء ما تمثله العمليات البحرية اليمنية ضد الملاحة الإسرائيلية من ضغط كبير على تل أبيب وواشنطن معًا؛ فطيلة الفترة الماضية حاولت واشنطن أن تتصرف وكأنها قادرة على وضع حَــدٍّ لهذه العمليات بالترهيب والترغيب، لكنها وصلت إلى نهاية مسدودة أفقدتها صوابها ودفعتها إلى هذا الأُسلُـوب المنفلت الذي يعكس استخفافًا كَبيراً بكل القوانين والأعراف وبمصالح العالم والمنطقة؛ مِن أجل إرضاء الكيان الصهيوني الذي يبدو بوضوح أنه يريد تحميل العالم كله خسائرَه الاقتصادية.
وفي هذا السياق، كتب عضوُ الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري أن “إدارة بايدن حولت أمريكا إلى بندقية بيد نتنياهو يقتل ويدمّـر بشكل عشوائي في غزة وفلسطين، وفي البحر الأحمر تقصف البارجات الأمريكية بشكل عشوائي وتتسبب بتهديد السفن المارة كما حدث بالأمس”.
وفسّر العجري السلوكَ الأمريكي الهستيري بأن “أمريكا تشعرُ أن موقعَها على عرش العالم يهتزُّ، و”إسرائيل” تشعُرُ أن وجودها على المحك؛ ولذلك يتصرفان على نحوٍ مدمِّـرٍ ومجنونٍ، ويضعان العالم عُمُـومًا والمنطقة خُصُوصاً على صفيح ساخن”.
وقال عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي: إن “البارجات الأمريكية تستهدف السفن التجارية تحت مبرّر إسقاط طائرة استطلاع في البحر.. إنها تقاتل الأشباح وتهدّد الملاحة الدولية بحماقة لتثبت لـ “إسرائيل” استجابتها بحماية السفن الإسرائيلية؛ حتى يتسنى للكيان الإسرائيلي الغاصب بالاستمرار في ارتكاب الجرائم والمجازر ضد أبناء غزة بدون إزعاج”.
ولا يخفى أَيْـضاً أن الجنون الأمريكي في التعامل مع طائرة مسيرة يمنية يكشف إدراك الولايات المتحدة لجدية التهديدات التي وجهها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه التأريخي الأخير، لكنه إدراك يعكس تخبُّطًا كَبيرًا؛ فتهديدات القيادة اليمنية كانت مرتبطة بوقوع أي اعتداء أمريكي على اليمن، غير أن واشنطن كما يبدو باتت تتصرف بذعر غريزي.
الهستيريا الأمريكية في البحر الأحمر، جاءت بالطبع بعد فشل واشنطن في حشد الدعم المطلوب لتحالفها البحري الجديد الذي يهدف لحماية الملاحة الصهيونية، حَيثُ تحفظت كُـلٌّ من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا على العملِ تحت قيادة الولايات المتحدة، فيما اكتفت بقيةُ الدول المنضوية في التحالف بمشاركةٍ محدودةٍ تمثلت في إرسال عددٍ قليلٍ من الضباط، ورفضت العديدُ من الدول الانضمامَ أصلًا، بما في ذلك الدول المطلة على البحر الأحمر.
لكن التحفظ والامتناعَ عن المشاركة في التحالف الأمريكي لم يعد كافيًا بعد الحادثة الأخيرة؛ إذ بات واضحًا أن الولايات المتحدة تسعى لابتزاز العالم والمنطقة من خلال افتعال خطر حقيقي على الملاحة الدولية، وهو ما يعني أن الصمت والاكتفاء بالتحفظ وعدم التأييد سيشجع الولايات المتحدة على التمادي أكثر.
وفي هذا السياق يؤكّـد عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، أن “على دول العالم والإقليم أن تتحمل مسؤوليتها لوضع حَــدّ لجنون البقر الأمريكي قبل أن يتسبب بكوارثَ عامة لا تُحمَدُ عُقباها”.
وكان ناطق أنصار الله، محمد عبد السلام قد أكّـد أن “البحر الأحمر سيكون ساحة مشتعلة إذَا استمرت أمريكا وحلفاؤها على النحو الذي هم عليه من البلطجة، وعلى الدول المشاطئة للبحر الأحمر أن تدرك حقيقة المخاطر التي تهدّد أمنها القومي”.
هذه التصريحات تضع بوضوح وصدق المنطقة والعالم أمام حقيقة أن الخطر أصبح دوليًّا بالفعل، على عكس ما كان عليه في الفترة الماضية، حَيثُ كان الخطر مقتصرًا فقط على الملاحة الصهيونية في إطار الضغط لوقف العدوان والحصار على غزة، وهي حقيقة تؤكّـدها العمليات الدقيقة المتعددة التي نفذتها القوات البحرية خلال الفترة الماضية والتي كانت جميعها خالية من أية أخطاء أَو استهداف عشوائي، ولم تؤثر على حركة الملاحة بشهادة قناة السويس.
وبالتالي فَــإنَّ التحَرّك ضد الجنون الأمريكي أصبح مسؤولية دولية وإقليمية مباشرة، وهو ما يؤكّـد بدوره صوابية الموقف الاستباقي الذي أعلنه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير عندما وضع الولايات أمام مخاطر مباشرة كبيرة؛ لردعها عن التمادي أَو تجاوز الخطوط الحمراء.
والاتّجاه الأنسب للتحَرّك الدولي والإقليمي؛ مِن أجل إزالة التهديد الأمريكي في البحر الأحمر يتمثل في ممارسة الضغوط على واشنطن وتل أبيب لإنهاء العدوان والحصار على قطاع غزة؛ لأَنَّ الهستيريا الأمريكية في البحر تهدف بالأَسَاس إلى حماية إمدَادات الكيان الصهيوني ومساعدته على مواصلة قتل وتجويع الشعب الفلسطيني، وبمُجَـرّد انتهاء العدوان والحصار ستتوقف العمليات البحرية اليمنية التي يحاول الأمريكيون أن يزيِّفوا طبيعتَها لتهديد مصالح العالم.
وفي هذا السياق يقول نائب وزير الخارجية بحكومة تصريف الأعمال، حسين العزي: إن “هناك خيارًا وحيدًا يمكن الاعتماد عليه في ضمان سلامة السفن المبحرة نحو الكيان المحتلّ وهو رفع الحصار عن سكان غزة، واحترام حقهم الطبيعي والقانوني والإنساني في الحصول على الماء والغذاء والدواء والوقود، وأي خيار آخر هو فقط لعب بالنار وعبث بأمن المنطقة والعالم”.
صحيفة المسيرة