{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ} (المائدة:20). {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} (إبراهيم:6) يذكرهم بعدما قد نجاهم الله مما كان يعمل بهم آل فرعون من التعذيب والتنكيل، وبعد أن أصبحوا أمة مستقلة لها قائدها تتحرك هي في ظل راية الرسالة التي بعث الله بها موسى، لكنه كان يقول لهم: إنما أنتم فيه لا تستشعرون أنها وضعية تحافظون عليها وتحرصون عليها إلا إذا ما تذكرتم ما كنتم فيه أيام كنتم في مصر تحت عبودية آل فرعون, فرعون وجنوده وقومه أولئك الذين كانوا يقتلون أبناءكم، يستحيون النساء ويذبحون البنين ويسومونكم سوء العذاب فيستعبدونكم في المهن المسترذلة وفي الأعمال الشاقة.
وهذه الآية هي مهمة جداً، الناس عادة متى ما كانوا في وضع سيء ثم تبدل بهم الحال فأصبحوا في وضعية أخرى، كانوا أذلاء فأصبحوا أقوياء، كانوا مستذلين فأصبحوا أعزاء، أصبح لهم قوة، أصبحوا متمكنين.. قد ينسون ويظنون بأنه هكذا انتهت تلك الوضعية السابقة فلم يبق إلا هذه الوضعية الجيدة وهكذا ستبقى، يتصور الناس بأن تلك الوضعية ستبقى هكذا على ما هي عليه إلى الأبد.. ألم يكن الناس أيام كان سوق [الخوبة] مفتوح زمان، وكانت البضائع رخيصة، وكان الناس يتحركون، كنت تلمس من الناس أنهم يرون أن هذه الوضعية ستبقى مستمرة هكذا.
الإمام الخميني كان يقول للإيرانيين بعد الثورة الإسلامية: إن الحفاظ على الثورة أهم من الثورة نفسها، أنتم قد ثرتم ونجحتم وحققتم انتصاراً عظيماً لكن هنا بدأ العمل الحقيقي وهو: الحفاظ على الثورة.. هكذا كان يقول لهم.
كما هنا قال موسى لقومه: حافظوا على هذه الوضعية التي أنتم فيها، لا تتنكروا لله، لا تبدلوا نعمة الله، تذكروا دائماًَ ما كنتم فيه سابقاً، ثم اذكروا نعمة الله عليكم إذ نجاكم منه، وفعلاً هذه لهذا أثرها العظيم فيما يتعلق بالحفاظ على منجزات الأمة، إذا الأمة تقارن بين ماضيها وما بلغت فيه وترى الفارق الكبير بين ذلك الوضع السابق السيئ وهذا الوضع الجيد الحسن فستحرص فعلاً على أن ترعى، على أن تحمي، على أن تدفع عن كل ما حقق لهم ذلك المكسب العظيم. اذكروا نعمة الله عليكم أن نجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم..إلى آخره، ثم انظروا كيف أصبحتم الآن، إذا لم تتذكروا تلك الأعمال السيئة السابقة فإنكم لن ترعوا هذه النعمة وهذه الوضعية الحسنة التي أصبحتم فيها.
الله سبحانه وتعالى يعلمنا أيضاً أن أولياءه يدعونه أن يوفقهم لشكر نعمه فيقول عن نبيه سليمان: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}(النمل:17- 19).
لاحظوا نبي من أنبياء الله آتاه الله من الملك مالا ينبغي لأحد من بعده، حكم الجن والإنس والطير، وسخرت له الريح وسخر معه الجبال، وألان الله له القطر، {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}(سـبأ: من الآية10)، هذا الذي كان دائم التذكر لنعمة الله فكان يقول: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(النمل: من الآية40) فعندما سمع كلام النملة، وعندما رأى ذلك الحشد الهائل من الجن والإنس والطير تبسم ضاحكاً، ولكن هل كانت ضحكته كضحكة قارون أو ضحكة الكثير من الأغنياء الذين يطغيهم المال، أو ابتسامة أولئك الزعماء الذين يرون أنفسهم جبارين فوق عباد الله؟ هذا نبي عظيم ينظر إلى ما بين يديه أنه نعمة من الله فيدعو الله أن يدفعه دائماً إلى أن يتذكر نعمه؛ لأن يشكرها {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}.
الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله نعم الله الدرس الرابع
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 21/1/2002م
اليمن-صعدة