الإمام زيد بن على (عليه السلام) هو واحدٌ من عظماء نجوم العِترة، وواحدٌ من أعلام الأمة، رجل عظيم عرفته كل الأمة وأقرَّت بفضله وعمله، وأقرَّت بمقامه العظيم في دين الله.
الإمام زيد بن على(عليه السلام) عندما نريد أن نتعرف عليه فهو معروف وأشهر من أن نُعرِّف به، لكن إن تحدثنا من باب الاختصار والإيجاز، فعندما نتحدث عن أُسرته ومنبته فهو من الأُسرة الطاهرة والبقية الباقية من آل رسول الله محمد(صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، الذين أمرنا الله بمودِّتهم ومحبَّتهم وجعل ذلك هو الأجر على تبليغ الرسالة، المكافأة لنبي الله محمد، والأجر له وتثمين ما قدمه للأمة كلها من هدىً وزكاءً، وإخراجاً لها من الظلمات إلى النور فقال سبحانه وتعالى:(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى)[الشورى:23].
هو من نجوم العِترة الطاهرة الذين أمرنا الله بالتمسك بهم، والاهتداء بهم، والسير في طريقهم، والتمسك بمنهجهم، والاقتفاء بإثرهم، وواحد من نجوم تلك العِترة الذين قال عنهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: «إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».
هو واحدٌ من العترة الطاهرة، من نجومها وأعلامها وهداتها الذين قال عنهم الرسول(صلى الله عليه وعلى آله وسلم): «أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى»، هذا منبته ومنبعه وأسرته.
ثم هو الذي كان ابناً لزين العابدين(عليه السلام)، أبوه زين العابدين وسيِّد الساجدين الذي أيضاً تُقِرُّ كل الأمة بعظيم فضله وعظيم مقامه وسناء مكانته، زين العابدين(عليه السلام) وسيِّد الساجدين الذي هو نجل الإمام الحسين(عليه السلام) المتبقي في كربلاء من أُسرته بلطفٍ من الله وبرعاية كي لا ينقرض النسل الحسيني.
فزين العابدين(عليه السلام) بما هو عليه من العلم، والعبادة، والفضل، والتقوى، والمكانة العليَّة في دين الله والقرب من الله سبحانه وتعالى، هو الذي ربَّى زيداً، ربَّاه التربية الإيمانية، ربَّاه على الإيمان، على التقوى، على العلم، على الفضل.
ثم من بعد زين العابدين(عليه السلام) وبعد وفاته اهتم بتربيته أخوه الإمام الباقر(عليه السلام).
ولعظمة هذا الإمام العظيم والدور الذي سيحققه فقد روي أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) نظر ذات يوم إلى زيد بن حارثة فبكى وقال: «المقتول في الله، المصلوب من أمتي، المظلوم من أهل بيتي سَمِيُّ هذا» وأشار إلى زيد بن حارثة ثم قال: «أدن مني يا زيد، زادك اسمك عندي حباً، فإنك سَمِيُّ الحبيب من ولدي».
قبل عام واحد من مولد الإمام دخل أبو حمزة الثمالي على زين العابدين فقال له زين العابدين:
يا أبا حمزة ألا أخبرك عن رؤيا رأيتها؟
قال: بلى يا ابن رسول الله.
قال: رأيت كأن رسول الله أدخلني جنة، وزوجني بحورية لم أرَ أحسن منها، ثم قال لي: يا علي بن الحسين: سمّ المولود زيداً فيهنيك زيد.
ثم يقول أبو حمزة: وإنها لرؤيا دفعتها عناية الله وحكمته إلى التصديق، فما هي إلا أيام قلائل، وإذ بالمختار بن أبي عبيد يبعث إلى الإمام علي بن الحسين بفتاة سندية تدعى (جيدا) كان قد اشتراها، فوجدها حورية بحق: ديناً، وخلقاً، وحياءً، وأدباً، تجدر بأن تكون سكناً لعلي بن الحسين، فاختصها السجاد لنفسه، بعد أن خيرها بين أبنائه فأبت - في إجلال - إلا هو، ومنها أنجب ابنه المنتظر (زيد بن علي).
قال أبو حمزة: فحججت عاماً آخر فأتيت علي بن الحسين، فلما دخلت عليه وجدته حاملاً لطفل صغير، وهو يقول: يا أبا حمزة هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا.
الإمام زيد(عليه السلام) يتربى في حجر الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) الذي اختصه بتربية جهادية وأعده للمستقبل ليكون رجل المرحلة.
حتى وصل إلى درجة أنه صار يُشَبَّه بأمير المؤمنين في الفصاحة والبلاغة والبراعة، وكان يعرف في المدينة بـ(حليف القرآن).
ويروى بأن الناس كانوا يتابعون كلام الإمام زيد، ويحفظونه كما يحفظ النادر من الشعر، والغريب من الحكم، ولهذا قال هشام في رسالة لـه إلى يوسف بن عمر:
(امنع أهل الكوفة من حضور زيد بن علي، فإن لـه لساناً أقطع من ظبة السيف، وأحصد من شبا الأسنة، وأبلغ من السحر والكهانة).
وقال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن.
من كتاب " ثورة الإمام زيد عليه السلام " للأستاذ يحي قاسم أبو عواضة