وهم في موقفهم هذا في موقفٍ عدواني، لا حق لهم في ذلك، إنما يسعون إلى السيطرة على عباد الله، والتحكم بهم، والهيمنة عليهم، وفرض باطلهم الذي يخضع الناس لهم، وفرض طغيانهم وفسادهم ومنكرهم بغير حق، هذا بحد ذاته يمثل عدواناً على الناس، وتحركاً عدائياً لا مبرر له، ولا مشروعية له، مهما حاولوا أن يطبعوه بطابعٍ لشرعنة، أو بعناوين وتبريرات واسعة يقدِّمونها للتضليل والكذب والتزييف للحقائق، فهم في واقع الحال المعتدون بغير حق، هم الظالمون، هم المجرمون، هم المعتدون، هم في موقفٍ غير مبرر، ولا مشروع، ولا ضرورة له، فليسوا في حالة نقول عنها: أنها حالة دفاعية، أو أنهم في وضعٍ يدفعون عن أنفسهم ظلماً أو عدواناً، ليسوا في حالٍ كهذا؛ إنما هم في الموقف العدواني هم.
والموقف منهم في العمل على التصدي لهم في عدوانهم وفي موقفهم الظالم، هو الموقف الصحيح، وهو لا ينطلق من حالة عدوانية وظالمة؛ حتى يبرر لهم ما يفعلونه هم من صد، من اعتدى، من ظلم، من حرب يبتدئونها هم؛ ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: من الآية38]، بما يوضح أنَّ الموقف الحق، الموقف القرآني لم يكن عدوانياً، ولم يكن في موقع لا يجعل الذين آمنوا في موقع الظالمين لهم، والمعتدين عليهم، |لا| إنما هم هم أولئك الأعداء الذين هم في موقف العدوان والظلم، فإن ينتهوا عما هم عليه من صد، من ظلم، من عدوان، فالموقف الحق، الموقف القرآني ليس موقفاً عدوانياً ولا ظالماً؛ وبالتالي لا ينطلق من منطلق الروح الانتقامية، ولا تصفية الحسابات الشخصية بالنسبة للماضي، كان موقفاً لدفع عدوانهم، وكان موقفاً لمنع صدهم، وكان موقفاً لدفع ظلمهم، ودفع شرهم، ودفع فسادهم، ودفع باطلهم؛ ولذلك: {إِنْ يَنْتَهُوا}، كما قال هنا في هذه الآية المباركة: {يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: من الآية38]، فليس هناك استمرارية لتصفية الحسابات على الماضي، ولا هناك عداء شخصي يستمر كعداء شخصي، الموقف منهم في مقابل موقفهم، الموقف منهم في مقابل عدوانهم، في مقابل صدهم، في مقابل ظلمهم، في مقابل طغيانهم؛ ولذلك فهو موقفٌ عادل، وموقفٌ صحيح، وموقفٌ مشروع، وموقفٌ إنسانيٌ ومنطقي، ليس فيه أي ظلم، ليس فيه أي طغيان، ليس فيه أي عدوان، بل إنه على هذا المستوى، لدرجة أنه لا ينطلق من منطلق تصفية حسابات شخصية، أو حسابات على الماضي، أو يحمل طابع شخصي، فتستمر المعركة حتى لو توقفوا، لو كفوا، لو انتهوا عن عدوانهم، عن صدهم؛ فلذلك نجد هنا كيف يتميز الموقف القرآني بأنه موقفٌ محق، وكيف يكشف حقيقة الآخرين وما هم عليه، وهذا فعلاً ما تجسَّد في تاريخ الإسلام في سيرة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- كمواقف عملية واضحة.
في يوم الفتح (يوم فتح مكة) في السنة الثامنة للهجرة، وبعد الكثير من الحروب، وبعد تاريخ طويل لأكثر من عشرين عاماً من حرب قريشٍ ضد الإسلام، وعدائهم للرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، وما فعلوه في كل ذلك الزمن الطويل بحق الإسلام، بحق الرسول، بحق المسلمين، ما ارتكبوه من جرائم، من إساءات، من تكذيب، من محاربة بكل أشكال المحاربة، عندما دخل النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- إلى مكة فاتحاً، وجُمِعُوا أمامه، وقال لهم في خطابه الشهير والتاريخي العظيم: ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟ يعني: بعد كل الذي قد فعلوه من قتل، من ظلم، من إجرام، من محاربة، من صد، من تكذيب، من عداء، من إساءة، ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، لاحظوا كيف هم في قرارة أنفسهم بالرغم من أنهم كانوا فيما سبق يقولون أسوأ الكلام بحق رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، يسيئون إليه، ويحاربونه، ويوجهون إليه الاتهامات، ويطلقون عليه الدعايات، لكنهم في قرارة أنفسهم وعندما حصحص الحق، نطقوا بالنظرة الصحيحة الواقعية الحقيقية، والتقييم الصحيح، فقال كلمته الشهيرة: أقول كما قال أخي يوسف، يعني: نبي الله يوسف -عليه السلام-، أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء، اذهبوا فأنتم الطلقاء، كلمة شهيرة وتاريخية، وموقف تاريخي جدًّا.
ففي طريق الحق ليس هناك استمرارية في حمل روح انتقامية وتصفية حسابات عن الماضي، وهذا يعطي الفرصة للآخرين أن يراجعوا حساباتهم، ونجد كيف توجه الدعوة لهم لمراجعة حساباتهم، وللحث لهم على أن يتوقفوا، وأن يكفوا، وأن ينتهوا عن عدائهم، عن بغيهم، عن عدوانهم، نجد في هذه الآية المباركة، ونجد في الآية المباركة التي قد سبقت عندما قال: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[الأنفال: من الآية19]، تقدَّم في الآية السابقة: {وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، فالله -سبحانه وتعالى- يوجِّه هذه الدعوة، ويجب أن توجَّه دائماً؛ لأنه هنا يقول: {قُلْ}، يجب أن تتوجه من الذين آمنوا، أن توجه إلى الأعداء، وأن يقال لهم: من الأفضل لكم أن تكفوا، أن تنتهوا، نحن لسنا أصحاب تصفية حسابات على الماضي، إذا توقفتم، إذا انتهيتم عما أنتم عليه من العدوان، من الظلم، من الصد، فلن نستمر معكم، ونصر على الاستمرار في حربنا معكم من باب تصفية الحسابات على الماضي، ومن باب الروح الانتقامية عما قد مضى، فهذه فرصة لهم، هم المعنيون بمراجعة حساباتهم هم؛ لأنهم هم في الموقف الظالم، هم في الموقف العدواني، هم في موقف البغي، هم الذين عليهم أن يراجعوا حساباتهم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية السابعة والعشرون :1441هـ/ 20-05-2020م.
يوم الفرقان (10) حتمية الصراع مع قوى الشر والضلال.