ذكرى النكبة (نكبة 48)، وهي ذكرى فيها الكثير من الدروس، وذات أهمية كبيرة، هي ذكرى مؤسفة ومحزنة، لنكبةٍ استمرت ولم تتوقف على مدى سبعةٍ وسبعين عاماً، ما يقارب من (ستين ألف مجرم) من العصابات الصهيونية آنذاك، مدعومةً بقواتٍ بريطانية، شنَّت عدوانها على الفلسطينيين العُزَّل، الذين لم يكونوا يمتلكون السلاح ولا التنظيم، وتركوا كالفريسة لتلك العصابات المتوحشة.
ذكرى النكبة هي تذكيرٌ بمظلوميةٍ كبرى، جرى الترتيب لها قبل تاريخها المعروف، وهي- كما قلنا- مستمرةٌ لم تتوقف بحق شعبٍ بأكمله، (الشعب الفلسطيني) الذي تحوَّل أبناؤه بالملايين ما بين مُهَجَّرٍ ومشرّدٍ من أرضه، وبين محاصرٍ ومروَّعٍ ويعتدى عليه، وعلى مدى أكثر من سبعة عقود من الزمن، أمام مرأى ومسمع المجتمع البشري، والمؤسسات الدولية، التي تقدِّم نفسها أنها معنية، وفي موقع المسؤولية، بحماية الإنسان وحقوقه.
ذكرى النكبة ليست كأي ذكرى عاديةٍ عابرة، هي مأساة، وجرحٌ مفتوح، تؤرَّخ بدماء وأشلاء الأطفال والنساء، على مدى سبعةٍ وسبعين عاماً، من أبريل (دير ياسين) 1948م، وحتى غزَّة، المذبحة المستمرة في هذه المرحلة إلى يومنا هذا، ذكرى تؤرِّخ لجريمةٍ تاريخيةٍ لم تنته فصولها، ارتكبتها بريطانيا والغرب، ونتج عنها: اغتصاب أرضٍ هي بلدٌ كامل، وتهجير شعبٍ بالملايين من أرضه.
يومٌ يُذَكِّرنا بالحقد والكراهية اليهودية ضد العرب والمسلمين جميعاً، والتي تتجلَّى مصاديقها في الممارسات الإجرامية العدوانية للعدو الإسرائيلي كل يومٍ، في كل هذه المدة الزمنية، وينسف كل أفكار ونداءات الاستسلام والتعايش بين العرب والصهاينة، كوهمٍ وخدعةٍ كبرى.
يومٌ يتذكَّره المجاهدون والشعب الفلسطيني، بصمودٍ أسطوريٍ لم تكسره المآسي والآلام، وبذاكرةٍ وهويةٍ لا تُمحى، وهم متمسكون بحقهم في فلسطين كاملة، بمياهها ومُقَدَّساتها، غير قابلةٍ للتشويه والتقسيم، أو الصفقات، تُذَكِّرهُم- ومعهم العرب والمسلمون- بالجليل وطبريّا، والناصرة، وبيسان، وعكا، وصَفَد، تُذكِّرهم بحيفا، تذكِّرهم بيافا، والخليل، والرملة، والقدس، تُذكِّرهم بغزَّة، وبئر السبع، تُذكِّرهم بأهمية الثبات في نابلس، وجنين، وطولكرم، وكل مدينة وقرية فلسطينية محتلة، تُذكِّرهم بحقهم في كامل فلسطين (بحرها، ونهرها، وسهلها، والجبل)، وكل ذلك سيستعاد حتماً بإذن الله تعالى، كما في وعد الله الحق، الذي لا يتخلَّف ولا يتغير.
تُذَكِّر- أيضاً- هذه الذكرى تُذَكِّر بسلسلة الهزائم، التي مُنِيَت بها الجيوش العربية المرعوبة في غضون أيام، عندما سيطر عليها التخاذل، والوهن، وضعف إرادة القتال، وما سببه ذلك من تمادٍ للعدو الإسرائيلي على المنطقة بأسرها، سبعة وسبعين عاماً من العجز العربي الكامل- على المستوى الرسمي- عن ردع الكيان المحتل، في مقابل صمود ومقاومة فلسطينية، تُحاصَر وتُجَوَّع، ولا تلقى الدعم والإسناد- ولو بالحد الأدنى- لردع ذلك العدو المجرم.
الدروس المهمة من النكبة ينبغي تسليط الضوء ولو على بعضها؛ لأن الأحداث مهما كانت مُرَّةً، وصعبةً، وقاسية، تتضمن الدروس المهمة، والعِبر المهمة، التي يمكن أن يُستفاد منها، في إطار المساعي والعمل الجاد لتغيير مسار الواقع، من خلال النهوض بالمسؤولية المهمة على هذه الأُمَّة، وبالاعتماد على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والثقة بوعده الحق.
مـن هـذه الـدروس المهمــة لـ (نكبة العام 48) وإلى اليــــوم؛ لأنها- كما قلنا- هي نكبةٌ مستمرة:
- في مقدمة هذه الدروس، والدرس الأول منها: أنه في كل هذه العقود الزمنية لم يتغير النهج العدواني الإجرامي الوحشي الصهيوني اليهودي:
على مدى سبعة وسبعين عاماً، لم يتغيَّر كممارسات إجرامية عدوانية، بكل تفاصيلها اليومية، سواءً في مراحل التصعيد، التي يزداد العدو فيها وحشيةً وإجراماً، أو في غيرها، فالعدو مستمر بنفس السلوك الإجرامي:
- يقتل الأطفال والنساء.
- يغتصب الأرض.
- ينتهك الحرمات.
- يسيطر عدواناً وظلماً واغتصاباً على الأراضي، والمزارع، والبيوت، والمساكن.
- يظلم الشعب الفلسطيني بكل أشكال الظلم، وبكل أشكال الإذلال، من ضربٍ، من إهانةٍ، من اعتقال، من مداهمة حتى للأعراس... وغير ذلك.
- السجون والمعتقلات كذلك ممتلئة على الدوام بالمخطوفين والأسرى، الذين يمارس العدو الإسرائيلي ضدهم كل أشكال الانتهاكات والظلم.
فكل الممارسات الإجرامية لم تتغير في سلوك العدو الإسرائيلي، على مدى سبعةٍ وسبعين عاماً وهو مستمرٌّ في ذلك.
وأيضاً المرتكزات لتلك التصرفات والممارسات والسلوك الإجرامي للعدو الإسرائيلي: المعتقدات، والفكر، والثقافة اليهودية، التي هي قائمةٌ على أساس التصنيف لما يُسَمُّونَهم بـ [الأغيار]، يعني: غير اليهود، بأنهم: [ليسوا بشراً، وبأنهم مستباحون، ومباحون حتى على أساس الشرع]، يعني: على أساس الشريعة الإلهية، زوراً وبهتاناً، يستبيحون الدم، يستبيحون الأرض، يستبيحون المال... يستبيحون كل شيء، وتعبئة عدائية، تعبئة كلها مشحونة بالكراهية، والاحتقار، والبغض، والعداء الشديد جدًّا؛ وبذلك ينشأ كل جيلٍ منهم وهو على مستوى أسوأ مما عليه سابقه، من الحقد، والعداوة، والاحتقار، والاستباحة لكل المحرمات.
فالعدو الإسرائيلي لم يتغير، وهذا شاهدٌ على أنه كيانٌ إجرامي، ليس هناك إمكانية للتعايش معه، ولا للسلام معه، هو غير قابل لذلك؛ ثقافته، نفسيته، توجُّهاته، معتقداته، ممارساته، أهدافه، ما بُني عليه واقع تلك الإصابات الإجرامية اليهودية الصهيونية، هو بالشكل الذي لا يمكن إطلاقاً أن تتعامل مع الآخرين بسلام، باحترام، باحترامٍ للحقوق، إضافة إلى ماذا؟ إلى أن المسألة من أساسها قائمة على الظلم، على العدوان، على الإجرام، وهذه مسألة واضحة؛ فهو كيانٌ غير قابلٍ للتعايش، هو قائمٌ أيضاً- أساساً- على الاغتصاب، على الإجرام.
كيف صُنِع هذا الكيان؟ وكيف استُقدِمت تلك العصابات الإجرامية إلى فلسطين؟ على أساس الاحتلال، والقتل، والتشريد، والظلم، ومصادرة الحقوق؛ فهـو كيان غير طبيعي، قائم على الظلم والإجرام، وهو غير قابلٍ للبقاء؛ لأنه ليس في إطار وضع طبيعي كبقية المجتمعات البشرية؛ إنما حالة ظلم، اغتصاب، اعتداء، إجرام مستمر... وغير ذلك.
ويستهدف العدو الإسرائيلي في قطاع غزَّة كل فئات المجتمع، ويسعى دائماً إلى إنهاء الخدمة الصحية، وإنهاء العمل الإنساني، حيث بلغ شهداء العمل الإنساني، والطواقم الطبية في قطاع غزَّة: أكثر من (ألف وأربعمائة شهيد)، ويستهدف النازحين في مراكز إيوائهم، التي عادةً ما يحددها كمناطق آمنة قبل ذلك، وقصف في هذه المدة ما يقارب (مائتين وخمسين) مركزاً لإيواء النازحين، على مدى تسعة عشر شهراً.
ويستمر أيضاً في سعيه للإبادة عن طريق التجويع، وليس فقط بالقصف، الإبادة بالقنابل الأمريكية، والقذائف الأمريكية والغربية، التي تزوِّده بها الأنظمة الغربية، بل مع ذلك يستخدم التجويع كوسيلة من وسائل الإبادة، وبات الوضع الإنساني في غزَّة مأساوياً للغاية، بعد نفاد ما تبقى من مخزونات الغذاء لدى المنظمات العاملة في مجال الإغاثة، وإغلاق جميع الأفران، ومعظم المطابخ التي كانت تُقدِّم عدداً محدوداً من الوجبات الغذائية لعددٍ محدودٍ من السكان.
المشاهد المأساوية المؤلمة تُظهِر صرخات الأطفال وبكائهم، وهم يهيمون في الأرض بحثاً عن بقايا طعام، وتقف الأمهات حائرةً دون حيلة أمام صرخات أطفالِهِنَّ الرُّضَّع، البعض منهم باتت جلودهم تلتصق على عظامهم بسبب انعدام حليب الأطفال، البعض من أبناء الشعب الفلسطيني يحاولون أن يذهبوا إلى البحر؛ بهـدف البحث عن الصيد لتوفير القوت الضروري والطعام والغذاء، ومع ذلك يستهدفهم العدو الإسرائيلي، فهو يستهدفهم من البر والبحر والجو، هناك الكثير من الشهداء، ممن استشهدوا وهم في أثناء محاولاتهم لجلب الأسماك والصيد من البحر؛ بهدف إطعام أسرهم، حتى أوراق الشجر لم يعد الوصول إليها سهلاً؛ بعـد تجريف العدو الإسرائيلي لـ 80% من الأراضي الزراعية، أكَّدت سبع عشرة وكالة تابعة للأمم المتَّحدة ومنظمة غير حكومية، في تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن الغالبية العظمى من أطفال غزَّة يعانون من حرمانٍ غذائيٍ شديد.
فالمأساة كبيرةٌ جدًّا، تكشـف عن حجم الإجرام والعدوان الإسرائيلي من جهة، والذي- كما قلنا- يعتمد على الدعم الأمريكي، والشراكة الأمريكية، والدعم الغربي المفتوح من بريطانيا، وألمانيا... ودول متعدِّدة، وكذلك يستفيد كل الاستفادة من التخاذل الإسلامي في البلدان العربية وغيرها.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات
الخميس 17 ذو القعدة 1446هـ 15مايو 2025م