{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال: 6] الآية من سورة الأنفال. سورة الأنفال وثقت لنا وقعة بدر ولكن ضمن التوثيق القرآني التوثيق العظيم الذي يجعل من الواقعة والحادثة مدرسة غنية كل الغنى بكل ما نحتاجه إليه من معرفة من دروس تربوية عقائدية وكذلك من تعليمات مهمة عن الجهاد في سبيل الله وعن التصدي للمستكبرين والطغاة والظالمين من أعداء الله، فشكلت هذه السورة أو قدمت لنا الواقعة تقديما نستفيد منه في كل المراحل، في كل الظروف، في مواجهة كل التحديات وكل الأعداء وكل المستكبرين وكل قوى الطاغوت، نأتي هنا إلى النص القرآني وما أجمل النص القرآني وما أكبر الفارق بينه وبين صياغة وتقديم المؤرخين وأصحاب السير.
(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) لاحظوا نرى هنا السياق أو الآية من سورة الأنفال بالتأكيد في سياق وقعة بدر، ولذلك نحن لا نرى رأي بعض المفسرين وبعض أصحاب السير أن الآية هنا يقصد بها واقعة أحد، لا. المقصود بها بالتأكيد وقعة بدر وهي في سياقها وسورة الأنفال وثقت لنا واقعة بدر "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" النبي صلوات الله عليه وآله من موقعه العظيم في دين الله، رسولا ونبيا من موقع الأسوة والقدوة والتدين، هذا فيه درس مهم جدا، لاحظوا هناك في ساحتنا العربية في ساحاتنا الإسلامية، في واقعنا الشعبي رُسمت صورة نمطية عن الدين والتدين ليست واقعية أبدا حُذفت منها المسئولية العامة، حُذفت منها الاهتمامات العامة، بل صُور الجهاد في سبيل الله والتحرك العسكري والتصدي للأعداء، والتحرر من الأعداء صُور فيه وكأنه لا صلة له من قريب ولا من بعيد بالدين والتدين وكأن التدين هو حالة من الخنوع والاستسلام والخضوع والانعزال عن شئون هذه الحياة وعن أحداث هذه الحياة، وعن ظروف هذه الحياة، وعن مشاكل هذه الحياة، والصورة النمطية للإنسان المتدين هو ذلك الذي يذهب إلى المسجد ويعود إلى منزله ولا شأن له بأي شيء من أحداث هذه الحياة وظروف هذه الحياة.
هناك اليوم في واقع الأمة فئة واسعة تحمل هذا التصور المغلوط بالتأكيد، وفي ذهنيتها صورة نمطية عن المتدينين هي الصورة التي عليها بعض المتدينين الجهلة في هذا الزمن وقبل هذا الزمن من الذين يحولون الدين رهبانية وانعزالاً عن المسؤوليات العامة وعن الاهتمامات العامة وعن المشاكل الكبرى وعن التحديات والأخطار، دين ليس فيه أي موقف تجاه أي ظالم ولا أي ظلم ولا أي مستكبر ولا أي خطر ولا أي تحد، ينعزل فيه الإنسان، فيذهب إلى المسجد ليؤدي صلواته، له شكل معين، له ملابس معينة، له سيما معينة، يبدو عليها، حالة من البهطلة، حالة من الخنوع، حالة من الإبقاء للرأس نحو الأسفل، حالة معينة وله زي معين وشكل معين، نمط معين! أصبح هو النمط المتدين!
أما ذلك الذي يذهب من المنتمين للإسلام، عنده اهتمام بأمر أمته، عنده التفاته جادة إلى الواقع، عنده إدراك للمخاطر والتحديات والمظالم والأمور الفظيعة والرهيبة التي تشكل تحدياً شاملاً على الأمة بدينها ودنياها، عنده ألم وهم بأمته، هذا سياسي! هذا ما يصلح! هذا لم يعد متدينًا كما ينبغي!
وفعلاً نحن في واقع الانتماء الديني أمام أشكال متعددة، وأمام شكل يأخذ هذا التوجه هذا النمط، هذا المسار من التدين، الحالة الانعزالية عن الهم العام وعن المسؤوليات العامة، عن التحديات وعن الأخطار! هذا نمط سلبي، هذا لا يمثل الدين بحقيقته.
النبي هو القدوة في تقديم النموذج الحقيقي للمسلمين وللإسلام، هناك نموذج آخر أيضاً سلبي، في غاية السلبية، هو النموذج الذي يستغل الدين عنوانًا ويوظف الدين شكلًا ولكنه بعيد كل البعد عن مبادئ هذا الدين الحقيقية، عن أخلاقيات هذا الدين الحقيقية، عن هذا الدين كمشروع حقيقي للحياة، هذا النموذج نراه أيضاً، مثل ما عليه النموذج الداعشي، هذا نموذج يستغل الدين، ويستغل شكليات من الدين، شعائر وعناوين معينة، ولكنه بعيد عن المبادئ الكبرى لهذا الدين، عن الأخلاقيات البارزة الواضحة العظيمة المهمة لهذا الدين، عن المشروع الفعلي لهذا الدين.
نرى النظام السعودي الذي يلبس عباءة الدين وعباءة الإسلام كحالة استغلالية توظيفية شكلية، ثم يفتضح .. يفتضح، وهذه الفئة هي مفضوحة لأنها مخلة بمبادئ رئيسية في الإسلام وأخلاقيات كبيرة في الإسلام ومسارات واضحة للإسلام، ويمكن إن شاء الله أن نتحدث عن بعض التفاصيل بهذا الشأن.
فإذاً النموذج الاعتزالي الذي يحسب نفسه على الإسلام ثم يتهرب عن المسؤوليات والمواقف في هذا الإسلام، يريد إسلام بدون مواقف! هذا لا يقتدي بالنبي، النبي هو هذا رجل يتحرك حاملاً للمسؤولية، يتحرك للتصدي للأعداء، (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ)، مابش ابقى في بيتك ما لك حاجة، ومن بيتك إلى مسجدك! (أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ) خرَّجه من بيته، يا الله.. اسرح.. ألهم الله.. تحرك.. جاهد.. (أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ).
كل أصحاب مبدأ "من منزلك إلى مسجدك.. ما لك حاجة.. ما لك دخل.. لا تدخل نفسك في مشاكل الناس الآخرين.. صلِّ وصم.. زكّي تصدق.. قم بهذه الشعائر.. واترك لك من هذه المشاكل يا أخي"!! هؤلاء لهم نموذج أو لهم توجه يختلف عما كان عليه الرسول القدوة والأسوة في تقديم الدين وتعاليم الدين.
ثانياً: المتنصلون عن المسؤولية والمتهربون منها، والذين يعفون أنفسهم بكل بساطة، يعطون أنفسهم ترخيصاً! هؤلاء "منكتين" على حسب تعبيرنا المحلي، يعطي نفسه ترخيص! ويعفي نفسه بكل راحة بال من المسؤولية! خلاص.. أنا لا أريد أن أتحمل أي مسؤولية في هذه الحياة! أنا سآخذ من هذا الإسلام صلاته وصيامه وبعض الشعائر فيه، بعض الالتزامات فيه، بالحدود التي اعتادها، وبالمقدار الذي لا يضايقني، ولا أتحمل فيه أي مشاق كبيرة أو أشياء لا تعجبني! لا دخل لي ولا علاقة لي لا بمشاكل لا بأحداث لا بمسؤوليات لا بمواقف!! يريد الراحة لنفسه، لا يريد أن يدخل في مسؤوليات لها شكل معين من المعاناة أو المشاق!!
لا.. يا أخي إذا أنت تنتمي للإسلام، انظر نبي الإسلام بمقامه العظيم بمكانته ومنزلته العالية عن الله لم يعفى من المسؤولية، لم يرخص له أن يبقى في منزله في بيته ويتنصل عن المهام والأحداث ويترهبن، ولربما لو قبل بهذا المسار، مسار الرهبنة أمكن أن يدهن مع الأعداء وأن يُحتوى، وأن يكون كما حال النظام السعودي، حالة دينية ولكن تحت الاحتواء، تصلي.. لا بأس.. لكن وتشتغل لأبو جهل.. تسرح تنفذ أجندته ومؤامراته ومكائده، وبوقاً له، وداعية له، وتُخضع الأمة لمصالحه ومؤامراته.. لا بأس!! حالة احتوائية!!
لكن لا، الإسلام في جوهرة الحقيقي التحرري، بين قوسين، بين معكوفين، بين هلالين "التحرري". عموماً، (أَخْرَجَكَ رَبُّكَ)، الله، أمر إلهي، أمر من الله، ولم يكن حتى اجتهاداً شخصياً ولا رأياً شخصياً، أنه هكذا الإسلام، دين مواقف، دين حرية، دين كرامة.
لا تنتظر في بيتك، في داخل منزلك، إلى أن يصل العدو إلى منزلك فيدوسك بحذائه، ويخضعك ويهينك ويستهدفك.
هو دين مبادرة، فيه مسارعة، فيه تحرك بإباء وعزم وجد وصدق وروحية عالية وكرامة للتصدي للعدو، هذا الذي يريده الله، هذا الذي يوجه إليه الله سبحانه وتعالى.
(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) هذه أيضاً مسألة مهمة للغاية وأساسية في التحرك، أن يكون بالحق.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من المحاضرة الرمضانية العاشرة (غزوة بدر الكبرى) الجزء الأول-للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي - رمضان 1438هـ 12-06-2017م.