في ساحة المحشر يقرب الله عالم الجنة، كما قرأنا قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: الآية31]، تقرَّب وهي عالمٌ عظيمٌ وواسعٌ جدًّا، كما قال الله -جلَّ شأنه-: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران: من الآية133]، عالم كبير جدًّا، فوق كل آمال الإنسان، وفوق كل طموحاته، أكبر من طموحك، هي واسعة للغاية، ليست قريةً صغيرة، وليست منطقةً محدودةً وصغيرةً، ومساحتها ضيقه بحيث يتزاحمون فيها ويتنازعون عليها. |لا| عالمٌ متسعٌ جدًّا جدًّا جدًّا فوق كل خيال وفوق كل تصور، والحديث في القرآن الكريم الحديث الإجمالي عنها وعن النعيم فيها، والحديث التفصيلي حديثٌ واسعٌ جدًّا، وكذلك فيما ورد عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ومن أجمل ما ورد عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- صورة معبرة ومختصرة، قال فيما روي عنه: (فيها– يعني الجنة- ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعت، ولا خطر على قلب بشر)، عبارات راقية جدًّا، نعيمٌ يفوق كل تصور، فيما تكون قد رأيته في هذه الحياة، أجمل ما كنت قد رأيته في هذه الحياة في الجنة ما هو أجمل منه، وما لم تر مثله أبداً، ولا سمعت بمثله لا بالوصف ولا بالمشاهدة، (ولا خطر على قلب بشر): ولا حتى خطر في خاطرتك وفي تصورك، في خيالك أبداً، نعيمٌ أرقى من كل ذلك.
وفي القرآن الكريم عندما تحدث عن سعتها بهذه السعة، تحدث أيضاً عن وصف ما فيها من الأنهار والثمار، فقال الله -جلَّ شأنه-: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}، وتجد ما ورد في القرآن الكريم من الوعود بالجنة، يتحدث عن المتقين، ويربط هذا الوعد بالمتقين والمؤمنين، والمؤمنون هم المتقون، والمتقون هم المؤمنون، هناك تلازم بين الإيمان والتقوى؛ لأن التقوى هي ثمرةٌ للإيمان، للإيمان الواعي، للإيمان الصادق.
{مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}، وهذه صورة تقريبية: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: من الآية15]، جنة بما فيها من الأشجار الكثيفة جدًّا والكثيرة والكثيرة للغاية، والأنهار تجري من تحتها، هذه الأنهار متنوعة، { أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ}، هذا الماء النقي ذو الجودة العالية الذي لم يتغير، ولم يركد، ولم يتغير فيه لا مذاقه، ولا لونه، ولا شمه، {مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}، أنهارٌ أخرى من اللبن، اللبن متوفر في عالم الجنة بشكل أنهار متدفقة ونقية، ولا يتغير مذاقه وطعمه مع الوقت أبداً، بجودة عالية جدًّا، ونظافة مستمرة، لا يلوثه شيء، ولا يكدره شيء، ولا يغيِّره شيء، بجوده عالية بشكلٍ دائمٍ ومستمر، ومتدفق بشكلٍ كبير، {وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ}، أنهارٌ من الخمر وخمر الجنة هو خمرٌ يختلف عن خمر الدنيا، خمرٌ لا ضرر فيه لا على ذهنية الإنسان وتمييزه وعقله، ولا على صحته، خمر الدنيا هي بلاء، هي شر، مضارها الكبيرة على الإنسان في نفسيته: تدنس نفسية الإنسان، وتسبب له الانحطاط والدناءة والخسة، وآثار في صحته على الكبد، آثار على الصحة العامة، آثار على الرأس، آثار ومضار صحية كبيرة معروفة في الطب، وكذلك آثار على تمييزه وإدراكه، في حالة السكر الإنسان يخرج عن حالة الإدراك والتمييز، ويصبح إنساناً فاقداً لصوابه، يتصرف أسوء التصرفات، وقد يصدر منه ما يتنافى حتى مع الإنسانية بكلها، قد يصدر منه جرائم، أو تصرفات بذيئة، منحطة للغاية، قذرة، قد يتقذر؛ أما خمر الجنة فهي سليمة من كل تلك السلبيات، وهذا الوعد يرغب الذين قد يكونون في هذه الدنيا إما شربوا الخمر، أو يغريهم البعض بشربها، فهناك في الجنة ما هو بديلٌ عنها لمن يترك شربها في الدنيا سيحصل على ما هو في الجنة خيرٌ منها، {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} حتى العسل يتوفر في الجنة بشكل أنهار متدفقة، ومصفى ليس فيه أي شوائب، عندما تكون متنقلاً في عالم الجنة تتمشى وتذهب للراحة، يعني: للراحة النفسية، وإلا ليس هناك أي صعوبة ولا تعب أبداً في الجنة، تذهب للتنعم، فأمامك في هذا العالم (في عالم الجنة) هذه الأنهار من اللبن، من الماء النقي، من العسل المصفى، من خمر الجنة، {وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} على مستوى الثمرات (الفواكه وما يلحق بها من الثمار)، يتوفر كل الثمرات، كل شيء متوفر في الجنة، فهو عالمٌ يتوفر فيه كل ما يحتاجه الإنسان، وكلما يرغب به الإنسان من الطعام والشراب وسائر النعيم.
يقول الله -جلَّ شأنه- كذلك عن الجنة: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: من الآية31] فهو عالم يتوفر فيه كل النعيم، كلما تشتهيه النفس، كلما تطلبه يتوفر لك، هذا لا يوجد في الدنيا لأي أحد أبداً، في الدنيا لو كنت ملكاً، أو أميراً، أو ثرياً وتاجراً، لا يمكن أن يتوفر لك كلما تتمناه، كلما ترغب به ومن دون منغصات. |لا| هناك يتوفر كلما ترغب به، كلما تشتهيه وبدون أي منغصات أبداً، هذا على المستوى الإجمالي عن سعة الجنة، عن سعة النعيم فيها الذي يتوفر فيه كلما ترغب به، كلما تطلبه بشكلٍ واسعٍ جدًّا، لا تحتاج إلى كد، ولا إلى عناء، ولا إلى تعب أبداً.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة السابعة:
الطريق إلى الجنة ولمحة عن نعيمها
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة السابعة
مايو 20, 2019م