هناك نقطة مهمة جدًّا: أنَّ الهدي الإلهي والرسالة الإلهية ليست مجرد توجيهات جافة ومنفصلة عن الله -سبحانه وتعالى- ومشروعًا ينزل إلى البشر يرسم لهم طريق الخير والفلاح ثم يترك الأمر هكذا: إن أخذوا به استفادوا، وإن لم يأخذوا به يعاقبوا في الدنيا والآخرة، هذا المنهج الإلهي وهذه الرسالة الإلهية تتصل بالله -سبحانه وتعالى- في تدبيره، يعني: المشروع الإلهي هو مشروع تفاعلي- إن صح التعبير- يتصل بالله القيوم المدبر، والله -سبحانه وتعالى- لم يفصل هذا المنهج عنه، يعني: يفعل فينا جميلًا، ويقدِّم إلينا رؤيةً جميلةً حسنةً وكفى، وانتهت المسألة عند هذا الحد. |لا|، المشروع الإلهي هو مشروع تفاعلي يبقى مرتبطًا بالله -سبحانه وتعالى- في كل الجوانب، في كل المجالات، في كل الاتجاهات، وسنذكر بعض الأمثلة على ذلك:
مثلًا، نجد في القرآن الكريم الأمر بالجهاد في سبيل الله -سبحانه وتعالى- وهو أمرٌ بما فيه خيرٌ لنا، عزةٌ لنا، كرامةٌ لنا، دفعٌ للشر عنا، ودلالةٌ على عملٍ هو لصالحنا، فيه دفعٌ للظلم عنا، دفعٌ للشر عنا، فيه تحقيقٌ للخير لنا، لكن هل تكون المسألة فقط عند هذا الحد؟ |لا|، المسألة أكبر، الله يقول: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}[محمد: من الآية7]، المسألة يرتبط بها تدخل إلهي، تدبير إلهي، لاحظ مثلًا الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: من الآية103]، والله -سبحانه وتعالى- عندما تتجه أمة أو قوم أو أي ناس من البشر يجتمعون لينفِّذوا هذا التوجيه الإلهي كيف يتدخل الله -سبحانه وتعالى- فيؤلِّف بين قلوبهم، هو -جلَّ شأنه- القائل: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: من الآية63]، هو القائل: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران: من الآية103]، كيف أنَّ الله يتدخل -جلَّ شأنه- في كل اتجاه نتجه لتطبيق هديه، لقبول توجيهاته، يتدخل على أساس تنفيذنا لذلك التوجيه؛ فيمدنا -سبحانه وتعالى- بمدده في كل مقامٍ بما يقتضيه {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: من الآية96]، يأتي التدخل الإلهي مع الهدى هذا، فالمشروع الإلهي والرسالة الإلهية لا تنفصل عن الله، ليست مجرد توجيهات طيبة وإرشادات جميلة ينزلها إلينا، ونستفيد منها بحسب إيجابيتها في الحياة فحسب، بل يرتبط بقيُّوميَّة الله وبتدبيره، ويكون لما ننفذه أو نطبِّقه من تعليمات الله -سبحانه وتعالى- أثر في تدبير الله، في تدخل الله -سبحانه وتعالى- ويمتد هذا إلى كل مجالات الحياة، كل واقع الحياة، وهذه مسألة مهمة جدًّا، هذه مسألة مهمة جدًّا.
كذلك على المستوى السلبي: حالة الإعراض، حالة الرفض لتوجيهات الله، والإعراض عن هدي الله -سبحانه وتعالى-– أيضًا- يترتب عليها عقوبات من الله -سبحانه وتعالى-: الشقاء، الضنك في المعيشة، عقوبات إلهية في الدنيا، وعقوبات في الآخرة.
فالرسالة الإلهية مشروعٌ إلهيٌ يتصل بتدبير الله -سبحانه وتعالى- ومشروعٌ تفاعليٌ يتربط به إجراءات- إن صح التعبير- من الله -سبحانه وتعالى- وتترافق معه- أيضًا– إجراءات كثيرة من جانب الله، أمور كثيرة يفعلها الله -سبحانه وتعالى- وهذه سمة مهمة للمشروع الإلهي يجب أن نستوعبها جيدًا، وتمثِّل أهمية كبيرة جدًّا في انجذاب الإنسان إلى هذا المشروع الإلهي وادراكه لأهميته؛ لأنه يمثِّل صلة ما بيننا وبين الله، نحظى من خلالها برعاية واسعة من الله في كل مجالات الحياة، والإعراض- كذلك- يترتب عليه مخاطر كبيرة، وعقوبات شديدة من جانب الله -سبحانه وتعالى-.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة محاضرات المولد النبوي الشريف 1440 (1)