مجرد إشارات في نصوص قرآنية، تُلمِّح من بعيد إلى أهمية الجهاد، إلى أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى أهمية العمل لإقامة الحق والعدل والقسط في هذه الحياة، إلى ضرورة أن تكون هذه الأمة أمة موحدة ومعتصمة بحبل الله، وأن تترك التنازع والاختلاف فيما بينها، وأن وأن… الخ. هل إعطاء مسألة الوعي، والبصيرة، والفهم، الصحيح، والحكمة، والرشد، والنضج الفكري، هل هي مسألة ها مشية في القرآن الكريم، وقليل من الآيات تشير من بعيد البعيد إليها، أم أنَّ الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- كذلك لم يركِّز على هذه المسائل والأمور، ولم تكن بارزة في سياساته، في أعماله، في مساره العملي، في حركته؟ الأمر ليس كذلك.
العودة إلى القرآن- كما قلنا- يرى الإنسان في القرآن الكريم حضورًا كبيرًا، ومساحة كبيرة جدًّا تركِّز على جانب المسؤولية، على المبادئ الرئيسية، على المعالم الأساسية، وتعطيها أهمية كبيرة جدًّا، وأهمية قصوى، كثير من الآيات القرآنية، وبأكثر من أي مواضيع أخرى.
عندما تعود إلى الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ترى أنَّ الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- كان أكثر اهتمامًا عمليًا وفعليًا وقوليًا، وفي نشاطه وحركته بتلك المسائل أكثر من أي مسائل أخرى، وأنها بارزة جدًّا وواضحة جدًّا فيما وثَّقه القرآن الكريم بشكل توجيهات أتت إلى الرسول، أو فيما تحدث به عن الرسول، أو فيما نقلته السِّير ونُقِل لنا عبر التاريخ، كل ذلك يظهر فيه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه عمل بشكلٍ أساس على أن يبني الواقع الإسلامي تحت قيادته، وتحت رايته، ليكون واقعًا مستقلًا وحرًا، ومبنيًا على تلك المبادئ والأسس العظيمة والمهمة، كان يبذل كل جهده لأن تكون الأمة- تحت قيادته- أمة متحررة كليًا، ومستقلة بشكلٍ خالصٍ وتام عن أي تأثيرات وارتباطات بالأمم الأخرى والاتجاهات الأخرى، فلم يكن لليهود أي تأثير لا في رسول الله، ولا في حركته، ولم يكن يقبل، وكان يحارب أي تأثير يصل إلى أطراف هنا أو هناك في الساحة الإسلامية، ثم كذلك بقية الفئات والجهات؛ فكان الإسلام- تحت راية الرسول- إسلامًا مستقلًا، الأمة فيه تخضع وتتجه بناءً على معالم هذه الدين وأسس هذا الدين بشكلٍ مستقل، طبعًا كانت تبرز بعض الظواهر السلبية من هنا أو هناك في داخل المجتمع الإسلامي، لكنها ظواهر سلبية تبقى محسوبة على تلك الجهات: فئة المنافقين، فئة الذين في قلوبهم مرض، فئة ضعيفي الإيمان، ناقصي الوعي، وكان النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- يحارب تلك الظواهر، ويسعى لاحتوائها، ويعمل على معالجتها، ويسعى للحد من تأثيرها في الساحة الإسلامية، والنصوص القرآنية الكثيرة جدًّا تأتي- كذلك– وتتجه بالنقد، وتتجه- أيضًا- بالموقف تجاه هذه الظاهرة أو تلك، هنا أو هناك.
فمثلًا: عندما عمل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يتحرك بالأمة لتجاهد، كان هناك من يعترض على ذلك، كان هناك من يسعى إلى تقويض هذه المساعي والجهود لتحريك الأمة، لتكون أمة قوية ذات مَنَعَة، تتصدى لأعدائها، تواجه الأخطار والتحديات، ومن يسعى إلى تثبيط الناس، وإلى توهين عزائمهم، وإلى الإرجاف عليهم، وإلى السعي لمنعهم عن التحرك، من الذي كان يسعى هذا السعي، من الذي كان يتحرك هذا التحرك؟ فئة سمَّاها القرآن الكريم بالمنافقين، الذين كانوا يطلقون كل عبارات التثبيط والإرجاف؛ بغية تثبيط المجتمع عن التحرك للجهاد في سبيل الله. عندما يعمل الرسول على إقامة العدل وإقامة الحق في أوساط الأمة، كان البعض من هنا، أو البعض من هناك يعترض، يشكك، حتى الإساءة إلى الرسول كانت تحصل من البعض، بحسب ما ورد في سورة التوبة، حتى إطلاق الشائعات والدعايات من شخصيات وأطراف وفئات تنتسب للإسلام، تنتسب، تقول: [أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله]، أبرز هذه الفئة هي فئة المنافقين الذين قال الله عنهم: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون: الآية1]، فئة المنافقين، فئة الذين في قلوبهم مرض، فئات أخرى كان يحصل عندها نقص وعي، ضعف إيمان، قصور في جوانب معينة؛ فتتراجع عن مواقف، تتأثر بمواقف، تتأثر بشائعات، فالظواهر السلبية كانت تحصل وتحدث، والاعتراضات والانتقادات والشائعات والدعايات كانت تحصل في داخل المجتمع الإسلامي، لكن تُعَبِّر عن مَنْ؟ عن منهج الإسلام؟ |لا|. عن الرسول؟ |لا|. عن القرآن؟ |لا|. والرسول كان يتحرك بالقرآن لاحتواء تلك الظواهر، والتصدي لها، والعمل على الحد من تأثيرها في الساحة الإسلامية وفي المجتمع المسلم، إلى درجة أنَّ الله أمره بمحاربتها، وإلى درجة أن يصل في مرحلة من المراحل إلى مواقف حاسمة جدًّا، من مثل قول الله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخدوا وقتلوا تقتيلا}
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
محاضرة السيد الأولى بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام للعام 1440هـ-