{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53).
هو شاهد على كل شيء، لا يغيب، هو شاهد، فهذه الأحداث التي تحدث هو يعلمها، وهو يعلم ما فيها من عبرة، وكثير منها، كثير منها هي لا تخرج عن سننه التي رسمها في هذه الحياة، تلك السنن التي تقضي بأنه إذا ما عملت أمة هكذا ستكون نتيجة عملها هكذا في هذه الدنيا
{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: من الآية53) فهو من سيريكم آياته في الآفاق وفي أنفسكم، حتى يتبين أن كلما ذكره في كتابه الكريم هو حق لا شك فيه.
أكرر.. نحن كمؤمنين أليس كذلك؟ ونرجو الله أن نكون مؤمنين حقاً، وأن نكون من الصادقين في إيماننا، إذا أردت أن تكون مؤمناً بمعنى الكلمة فخذ العبر من كل حدث تسمع عنه، أو تشاهده حتى في بلدك، حتى في سوقك، حتى داخل بيتك، كل شيء فيه دروس وفيه عبرة، ليزداد الإنسان بصيرة، يزداد إيماناً، يزداد وعياً.
والإنسان الذي يعرف يزداد إيمانه ووعيه؛ سيجنب نفسه الكثير من المزالق، سيدرك كيف ينبغي أن يعمل؛ لأنه من خلال تأملاته الكثيرة يعرف أن الأشياء أشبه بسنن في هذه الحياة، ولهذا قال الإمام علي عليه السلام: (العاقل من تدبر العواقب).
وكيف تستطيع أن تتدبر العواقب، أن تعرف أن أمراً كهذا تكون عاقبته هكذا إلا من خلال تأملاتك، وتدبرك للقرآن الكريم، ولصفحات هذا الكون في أحداثه المتجددة والكثيرة؟ ولهذا قال في كلام آخر: (العقل حفظ التجارب) التجارب هي الأحداث سواء تجارب تجريها أنت، أو أحداث تقع في الحياة، هي كلها لا تخرج عن سنن مكتوبة وراء كل عمل من الأعمال، أنه عملٌ ما يجر إلى نتيجة معينة، سواء كانت نتيجة سيئة أو نتيجة حسنة.
إذا عاش الإنسان في هذه الدنيا وهو لا يحاول أن يستفيد، مما يحصل فإنه نفسه من سيكون معرضاً للكثير من المزالق، يتأثر بالإعلام المضلل، يتأثر بالدعاية، يتأثر بالوعود الكاذبة، يتأثر بزخارف القول، وهكذا يظل إنساناً في حياته مرتابا يهتز لا يستطيع أن يستقيم ولا يستطيع أن يثبت؛ ولأن الدنيا مليئة بالضلال، والباطل له دعاته الكثيرون، والباطل لديه إمكانياته الكبيرة والواسعة، يمتلك الباطل هنا في هذه الدنيا أكثر مما يمتلك الحق؛ له القنوات الفضائية، وله وسائل الإعلام بشتى أنواعها، سواء التلفزيون أو الإذاعة أو الصحيفة أو أشخاص يتحركون في أوساط الناس يحملون أفكاراً ضالة، أو كلمات مضلة، يحملون زخارف من القول يضلون بها الناس.
ودعاة الحق قليل، الكثير منهم مغلوب على أمره، مقهور، وإذا ما تحرك يجد نفسه يفتقر إلى الكثير من الإمكانيات سيكون صمته محدوداً، ويكون مجال نفوذ كلمته محدوداً، حينئذٍ يكون الإنسان عرضة لأن يضل بسهولة إذا كان من يعملون من حوله، إذا كان كلما تسمعه وتشاهده من حولك يخدم الباطل بنسبه 90% أو أكثر، والنسبة القليلة هي نسبة الحق، وهي المغمور جانبها، المغلوب والمقهور صاحبها.
إذا أنت تتأمل الأحداث لا تكن أنت بالشكل الذي يتلقى من الآخر ما يقول، ثم يأتي الطرف الآخر فتتلقى منه ما يقول حينئذٍ لن تكون أكثر من مجرد ناقل، تكون ذاكرتك عبارة عن شريط فقط تسجل فيها كلام فلان ثم يأتي كلام الآخر تسجله على الكلام الأول فيمسحه، وهكذا؛ أنت على هذا النحو لن تستفيد من العبر حتى من شخص واحد، قد يأتي زعيم من الزعماء يسمعه الناس عشر سنين عشرين سنة ثلاثين سنة، وكل فترة يقول كلاماُ معسولاً، ووعودا براقة، ويقول أما الآن: الفترة هي فترة قليل من الكلام كثير من العمل، تقول: صحيح، تسجل الكلام في ذاكرتك، ثم تأتي شواهد على أن كلامه ذلك ليس واقعياً فأنت لا تبصرها ولا تتأملها.
إذاً وأنت تحتفظ بذلك الكلام وأنت نظرتك إلى ذلك الرجل أنه هكذا كما قال، ولا تبصر الشواهد على أن كلامه غير حقيقي، ثم إذا بك تملّ، وتقول: يبدو أن هذا الكلام غير صحيح؛ قد بلي الشريط في ذاكرتك؛ ينطلق من جديد يقول: نحن الآن نريد أن نفتح صفحة جديدة، والآن هو فترة أن نقول ونعمل، وقليل من الكلام وكثير من العمل، قالوا: [صحيح والله كلامه أمس سمعناه جميل جداً وقال: أما الآن سنفتح صفحة جديدة] وهكذا، تعيش مع شخص على هذا النحو عشرين سنة، ثلاثين سنة وأنت ذلك الذي لست أكثر من سماعة.
الله وبخ بني إسرائيل في كثير من آياته الكريمة على كثير مما كانوا عليه، منها قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} (المائدة: من الآية41) سماعون للكذب، أنت قد تسمع الكذب من الشخص تسمعه فتعرف أنه كذب، أو تعرف حتى لو لم تجد الشواهد في الوقت نفسه على أنه كذب، تستطيع أن تقول أن تلك النوعية لا يمكن أن يأتي منها كلام صحيح، فأنت من تقطع بأنه كذب، لم يقل: يسمعون الكذب {سَمَّاْعُوْنَ} يسمعه ويتأثر به في وقته، وقد ينطلق أيضاً وسيلة لنشره يخدم ذلك الكذب.
{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} هل أن الكذب لا يأتي ما يكشفه؟ إن الكذب في أكثر الحالات يكون هناك ما يكشفه قبل أن يخرج إلى النور قبل أن يخرج إلى الوجود، تستطيع أن تعرف أن مثل ذلك الشخص لن يكون صادقاً فيما قال، هو من النوعية التي هي عادة هي لا تصدق حتى ولو أقسم.
وحتى لا يكون المؤمن من أولئك الذين قال الله عنهم: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} هو من يتأمل الأحداث، هو من يبصرها، هو من يعرف الشواهد عليها، ثم هو حينئذٍ من يعرف قبل أن يبرز الكذب من هناك، أو يبرز الباطل من هناك، وعادة الكذب هو يظهر بثوب الصدق هكذا، والباطل هو أيضاً يعمل على أن يرتدي رداء الحق فيظهر بثوب الحق أيضاً،
كما قال الله عن اليهود في أنهم (يلبسون الحق بالباطل) الباطل يقدمونه في ثوب الحق {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}(النساء: من الآية46) {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ وما هو من عند الله }(البقرة79) لأن هناك في الساحة الكثير من الناس ممن يسمع الكلام ويتعامل مع ما سمع؛ لأنه يكون لديه خلفية مسبقة يستطيع من خلالها أن يعرف بطلان ما سمع، وإن نسب إلى الله، أو نسب إلى نبي من أنبيائه؛ لأنه قال عن أولئك أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هو من عند الله، ألم يقدموه باسم الله وأنه من عنده؟ {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران: من الآية75).
فكيف تستطيع أنت أن تعرف أن الشـيء من عند الله، أو أنه ليـس من عند الله؟ مثلاً في القرآن الكريم - وهي قاعدة ثابتة عند أهل البيت - أنه كتاب يجب أن يعرض عليه أي شيء ينسب إلى الله، سواء كان حديثا قدسياً أو ينسب إلى رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أما من يتدبر القرآن الكريم، من يتأمله؛ لأن القرآن حقائق، هو من يكتشف أن ذلك الذي نسب إلى الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وإن قال المحدث الفلاني أن سنده صحيح وأنه رواه الثقة عن الثقة ستقطع بأنه ليس من عند رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى.
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 28 من ذي القعدة 1422 هـ
الموافق: 10/2/2002م
اليمن – صعدة.