بشير ربيع الصانع
حين تتأمّل شخصية السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي ـ يحفظه الله ـ لا تقف عند صفةٍ واحدة، ولا عند مشهدٍ منفصل، بل تجد نفسك أمام حالةٍ متكاملة، تتآلف فيها الأضداد دون تناقض، وتنتظم القيم دون تكلُّـف.
قوةٌ لا تنفلت من الدين، وحزمٌ لا ينفصل عن اللين، ويقينٌ لا يعرف الاضطراب، وإن اشتدت العواصف؛ فهي تجسيد عملي لقوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}، حَيثُ اجتمعت القوة والإيمان.
ترى له قوّةً في دينه، لا بمعنى القسوة، بل بمعنى الثبات.
ثباتٌ لا تهزّه المغريات ولا تُربكه الضغوط.
دينه ميزانٌ يحكم به الموقف، ويزن به القرار.
ومن هذه القوّة تنبع صرامته في موضع الصرامة، دون أن تُلغِيَ الرحمة، أَو تطغَى على العدل؛ فهو يُطبِّق {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}، في كُـلّ صغيرة وكبيرة.
وفي حزمه لينٌ ظاهر، لا ضَعف فيه ولا تردُّد؛ لينُ المربّي الذي يعرفُ متى يشدّ ومتى يرفق، ومتى يصمُتْ ليُفهم، ومتى يتكلَّم ليقيمَ الحُجَّـة.
لا يستعرضُ الحزمَ ليُخيف، ولا يستخدم اللين ليُرضي، بل يضع كُـلّ خُلُق في موضعه، فيستقيم المسار، وتطمئن النفوس.
وقد أشار الله إلى هذا التوازن بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
إيمانه قائم على يقين، يقينٌ تشكّل عبر وعيٍ طويل، وتأملٍ عميق، ومعرفةٍ بسنن الله في الأمم.
لذلك لا تراه قلقًا عند اشتداد المحن، ولا متعجلًا عند بروز الفرج؛ يمضي وهو يعلم أن النتائج بيد الله، وأن الواجب هو الصدق في الموقف، والإخلاص في العمل، مصداقًا لقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
وحِرصه على العلم ليس حرص جمع، بل حرص فهم وبصيرة؛ علمٌ يُثمر حلمًا، لا استعلاء فيه ولا تعاليَ على الناس.
يعرف كيف يُخاطب العقول على قدرها، وكيف يفتح الأبواب دون أن يُسقِط الهيبة، ويُعلّم دون أن يجرح الكرامة.
فالعلم عنده وسيلة هداية، لا أدَاة تفوّق، متَّبِعًا أمر الله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
قصده في الغنى واضح؛ غنى النفس قبل غنى اليد.
لا تُغريه مظاهرُ الدنيا، ولا تشغله زخارف السلطة.
يتعامل مع الإمْكَانات بوصفِها أمانة، ومع المسؤولية بوصفها تكليفًا، لا مكسبًا.
لذلك بقي خطابه نقيًّا من شَهوة الامتلاك، وموقفه بعيدًا عن حسابات الأنانية، مجسدًا قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
وفي عبادته خشوعٌ صادق، يظهر أثرُه في السلوك قبل القول.
عبادة تُهذّب النفس، وتكسر حدّة الأنا، وتُبقي القلب حاضرًا بين يدي الله، مهما علا الموقع وكَبُرَت المسؤولية.
ومن هذا الخشوع يتشكّل ذلك الحذر الدائم من الغفلة، وذلك الفرح الهادئ بما يمُنُّ اللهُ به من فضل ورحمة، دون اغترار ولا أمنٍ من مكر الله، كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.
يصبر في الشدّة صبر من يعرف قيمة الطريق، لا صبر المستسلم، ولا صبر المتذمّر؛ صبرٌ واعٍ، يُراكم الإنجاز، ولا يبدّد الجهد.
ويطلب الحلال في كُـلّ شأنه، فلا يبرّر الخطأ بذريعة الحاجة، ولا يلتفّ على القيم بحجّـة المصلحة، متبعًا قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
نشاطه في الهدى ظاهر، لا يعرف الكسلَ عن أداء الواجب، ولا التراخي في نصرة الحق؛ ومع ذلك، تراه حذرًا من أن تتسلّل شهوة النفس إلى موضع القرار.
إن استصعبت عليه نفسه أمرًا مما تكره، لم يمنحها ما تشتهي على حساب ما يجب، لأن قرة عينه فيما لا يزول، وزهادته فيما لا يبقى، مستحضرًا قول الله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}.
يمزج الحلم بالعلم، فلا علم بلا خُلُق، ولا حِلم بلا وعي.
والقول عنده مقرون بالعمل، لذلك تستقيم كلمته، وتثق بها القلوب، لأنها صادرة عن تجربة، مصداقًا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
تراه قريب الأمل، لا يُشيع اليأس، ولا يُغذّي الوهم.
خاشع القلب، قانع النفس، بسيط العيش، سهل الأمر، محفوظ الدين، مكظوم الغيظ.
الخير منه مأمول؛ لأن نِيّته ظاهرة، والشر منه مأمون؛ لأن ميزانه مضبوط، ونفسه محكومة بالقيم.
بهذه الصفات، يظهر السيد القائد كنموذجٍ يُعيد إلى الأذهان ما قرأناه عن القادة الربانيين، ممن جمعوا بين العبادة والبصيرة، وبين الزهد والمسؤولية، وبين الرحمة والحزم، كصفات أُولئك الذين مدحهم الله بقوله: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}.
ومن هنا، فإن الالتفافَ حوله استجابةٌ لقيادةٍ أثبتت بالأخلاق والسلوك أنها أهل لحمل الأمانة.
قائدٌ لا تصنعه الهالة، بل تصنعُه القيم، ولا يرفعُه التصفيق، بل يرفعُه الصدق، تحقيقًا للوصية الربانية: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}.
وهكذا، تتجسّدُ تلك الصفاتُ كواقعٍ يُعاش، وشخصيةٍ تتحَرّك بين الناس بثقل الأمانة، وهدوء الواثق، وصدق العابد، ليبقى ـ في زمن الاضطراب ـ علامة توازن، ودليل طريق، وشاهدًا على أن القيادة حين تُبنى على الدين والوعي تكون رحمةً للأُمَّـة، وحفظًا لها من التيه.
{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، صدق الله العظيم.





.jpg)
.jpg)
