وقد عظمت منة الله به على العرب قبل غيرهم من الأمم قال الله تعالى:
{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ }[الجمعة:2، 3]
- يعني: الأجيال اللاحقة التي لم تكن قد وُجدت، ومنها جيلنا وعصرنا -
{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }[الجمعة:3، 4]
فضل الله ورحمته أتت إلى هذه الأمة، إلى الأميين العرب لتغير واقع حياتهم، لترفعهم من ساحة الفسق والفجور والخمر والزنا والقتل والتناحر وأكل الميتة ووأد البنات وقتل الأطفال إلى أمة طاهرة لا يوجد فيها مجال لا للفسق ولا للفجور، أمة مقدسة، أمة نظيفة، أمة صالحة، أمة زكية النفوس وزكية السلوك وطاهرة القلوب، وأمة يصلح واقعها؛ لأن هذا الدين هو: دينٌ من تمسك به يعتز ويرتفع ويكون موصولاً بالله.
وقد بذل ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› كل جهده في تغيير الواقع السيئ الذي كان يعيشه العرب الأميون والعالم آنذاك، وهو واقع طغى عليه الجهل والخرافة والشرك والكفر والفساد والرذيلة والنهب والسرقة والتفرق، يعبدون الأصنام ويأكلون الميتة ويشربون الخمر، ويئدون البنات، ويمتهنون النساء، ويرتكبون الفواحش، ويأكل القوي منهم الضعيف في جاهلية جهلاء وضلال مبين وضياع للحياة، لا هدف ولا مبادئ، على شفا حفرة من النار.
إن دين الله هو صلة به، صلة ما بين الله وبين عباده، وعلى أساسه يمنح الناس عزًّا وخيرًا وفلاحًا وخيرًا كثيرًا في واقع حياتهم
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }[الأعراف:96]
من السماء والأرض.
عندما أتى رسول الله محمد ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› بُعث في عالم هكذا حاله: عالم مليئ بالضلال، بالفسق، بالفجور، بالتخلف، بالطغيان، بالضياع، أمة ومجتمعات ليس لها اهتمام بأي شيء مهم، ضائعة تمامًا، متفرقة متناحرة ليس لها دين ولا دنيا، ليس لها حاضر، وليس لها مستقبل، ضائعة تمامًا، فكانت رحمة الله بهذا الرجل العظيم، برسالته العظيمة: دين الله العظيم والقرآن المجيد.