مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله
العربدة الإسرائيلية في الدوحة: رسالة استباحة تتجاوز قطر

مـوقع دائرة الثقافة القرآنية - تقارير – 18 ربيع أول 1447هـ
تقرير | علي الدرواني
ماشهدته العاصمة القطرية الدوحة من عدوان يعد تطوراً خطيراً مع إعلان جيش العدو شن غارات استهدفت قيادات من حركة حماس وأعضاء في الوفد المفاوض. في خطوة تكشف عن مستوى غير مسبوق من العربدة السياسية والعسكرية، وعن استباحة مقلقة تحمل رسائل أبعد من حدود قطر. فالمشهد لم يكن مجرد عملية اغتيال، بل إعلان صريح بأن لا دولة باتت بمنأى عن بطش الكيان الصهيوني. هذا الحدث -الذي وصفه العديد من المراقبين بأنه سابقة سياسية وأمنية- يثير جملة من التساؤلات حول حدود السلوك الإسرائيلي، وأبعاد هذه العملية في السياقين الإقليمي والدولي.
تأتي هذه الغارات العدوانية في سياق تصريحات متكررة لمسؤولين إسرائيليين على رأسهم رئيس أركان جيش العدو ايال زامير، الذي أشار أكثر من مرة عن نوايا الكيان لاستهداف قادة حماس في الخارج، وما ترافق معها من تصريحات المبعوث الأميركي توم براك، الذي أشار إلى أن "إسرائيل" لم تعد تعترف بالحدود السياسية التقليدية المرسومة منذ اتفاقية سايكس بيكو، وقال إنها تتصرف كما تشاء، وقتما تشاء، وحيثما تشاء. هذه المواقف تؤشر إلى تآكل الاعتراف بمفهوم السيادة الوطنية، وتضع ما حدث في الدوحة ضمن سياق استراتيجي أوسع: "إسرائيل" ترى نفسها مخوّلة بالوصول إلى أي مكان، واستهداف أي شخصية، دون حساب لأي سيادة أو تحالف أو قانون دولي، ضمن توجه إسرائيلي خبيث يترجم معاني تغيير الشرق الأوسط التي يرددها ننتياهو، ويقوم على اعتبار حرية التصرفات الإسرائيلية، وأن استهداف الخصوم مشروع بغض النظر عن موقعهم الجغرافي.
على الرغم من أن التنفيذ إسرائيلي، إلا أن العديد من التحليلات اعتبرت أن العملية جرت في ظل غطاء أميركي واضح. هذا يفتح النقاش حول طبيعة العلاقة بين واشنطن و"تل أبيب" من جهة، ومن جهة أخرى بين واشنطن وبقية حلفائها، لا سيما من العرب والمسملين، إذ يتجاوز الدعم الأمريكي للكيان حدود الدفاع التقليدي إلى مستوى السماح باستهداف دول حليفة لواشنطن نفسها. ومن ثم يمكن القول إن الجريمة تحمل بُعداً مزدوجاً: فهي إسرائيلية من حيث التنفيذ، لكنها أميركية من حيث الغطاء السياسي والعسكري.
إن إقدام "إسرائيل" على استهداف الدوحة يضع قطر –الوسيط في المفاوضات– أمام إهانة كبرى مزدوجة: فمن جهة، جرى استهداف أراضيها وخرق سيادتها، ولا يمكن قراءته فقط بوصفه عملاً عسكرياً بحتا، لأنه أيضاً رسالة سياسية تقلل من مكانتها كوسيط. ومن جهة أخرى جاء هذا العدوان بغطاء أميركي كامل، رغم العلاقات الوثيقة التي ربطت قطر بواشنطن. فالمفارقة أن قطر دفعت لإدارة ترامب تريليون دولار استثمارات، وقدمت له طائرة فخمة، لكن "رد الجميل" جاء عبر ترك المجال مفتوحاً للكيان كي يستبيح عاصمتها بهذا الشكل العدواني.
ما حدث في الدوحة يعكس تحوّلاً خطيراً في أنماط التحرك الإسرائيلي العدواني المنفلت في المنطقة. فإذا كانت دولة مثل قطر -بما لها من علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة- لم تتمتع بحصانة من الاستهداف، فإن هذا يثير تساؤلات جدية حول أمن دول أخرى مثل السعودية والإمارات وتركيا ومصر. وبالتالي، يُفهم أن الاستهداف الإسرائيلي -ضمن معادلة الاستباحة التي يحاول الكيان ومن خلفه الولايات المتحدة ترسيخها بالنسبة لانتهاك سيادة أي دولة في المنطقة- لا يقتصر على حركات المقاومة، بل يمكن أن يمتد إلى أي بيئة سياسية أو جغرافية يُنظر إليها أنها تحقق الأهداف الإسرائيلية الكبرى (النفوذ والتوسع والهيمنة) في إطار حدود أبعد من فلسطين المحتلة، وهو ما يعبر عنه قادة الكيان بـ"إسرائيل الكبرى".
وعليه فإن هذه ليست رسالة لقطر وحدها، بل تحذير صارخ لبقية الأنظمة العربية -وفي مقدمتها السعودية والإمارات- بأن لا أحد خارج دائرة الاستهداف الإسرائيلي. من يتوهم أن التحالفات أو التنازلات أو الاستثمارات يمكن أن توفر له الحماية، فالأحداث تثبت أن الكيان الصهيوني يرى في نفسه اليد العليا التي لا تحدها ضوابط ولا التزامات.
الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في هذه الغارات، بل في حالة الجمود والسكوت التي تسود العالم العربي والإسلامي. فغياب المواقف العملية من أنظمة وجيوش المنطقة هو الذي سمح لهذه العربدة الصهيونية أن تتعاظم، وجعل من الجرائم الإسرائيلية واقعاً مستمراً ومتكرراً.
وهذا يطرح إشكالية عميقة تتعلق بمدى قدرة النظام الإقليمي العربي على حماية حدوده وسيادته وأمنه القومي، في مواجهة عابث إقليمي طارئ يتعامل بمنطق القوة وحدها، دون رادع من قانون أو أعراف، او حتى حساب لدول لطالما أبدت استعدادها للانخراط في المشروع الأمريكي الإسرائيلي على تعدد تفاصيله وخطورتها.
اليوم، لم يعد السؤال: من الدولة القادمة على لائحة الاستباحة؟ بل: من يتبقى ليشعر أنه محصّن أمام هذا العدو المتغطرس؟ إن ما جرى في قطر إنذار شديد اللهجة لكل العرب، بأن أمنهم القومي لم يعد شأناً داخلياً، بل بات مرهوناً بمدى استعدادهم لكسر دائرة الصمت واتخاذ خطوات عملية توقف هذا التوحش.
إن الغارات الإسرائيلية العدوانية على الدوحة لا يمكن قراءتها كحادث معزول، بل هي جزء من تحول استراتيجي في السلوك الإسرائيلي الخطير، يقوم على تجاوز الحدود، وتوسيع دائرة الاستهداف لتشمل دولاً ذات سيادة. كما تكشف العملية عن هشاشة الضمانات الأميركية لحلفائها في المنطقة، وتضع مستقبل الوساطة القطرية على المحك. والأهم، أنها تعكس أزمة عميقة في النظام العربي، حيث بات الصمت وعدم التحرك العملي أحد أبرز العوامل التي تسمح باستمرار مثل هذه الاعتداءات.


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر