مـوقع دائرة الثقافة القرآنية – متابعات – 30 شوال 1446هـ
تحليل | أنس القاضي
وقع انفجار ضخم في ميناء الشهيد رجائي بمدينة بندر عباس جنوبي إيران، ووفقا للإعلام الإيراني، كان الانفجار قويا لدرجة أنه سُمع في جزيرة قشم، التي تقع على بعد نحو 20 كيلومترا من ميناء بندر عباس. وأدى الانفجار إلى تحطيم النوافذ في نطاق عدة كيلومترات.
الرواية الرسمية تشير إلى أن حاويات تحتوي على مواد كيميائية مخزنة في الميناء هي التي انفجرت. وأكدت أن التحقيقات لا تزال جارية، ودعت الإعلام والجمهور إلى عدم التكهن حتى إعلان النتائج النهائية. عدد الضحايا بلغ حتى لحظة التصريح الرسمي: 40 شهيداً وأكثر من 1200 جريحاً وتم تعليق عمل الميناء مؤقتاً للسيطرة على الوضع.
كشف الانفجار عن ثغرات أمنية خطيرة في الموانئ الإيرانية، وألقى بظلاله على مسار المفاوضات النووية، رغم محاولة طهران الفصل بين المسارين.
من الناحية الاقتصادية، شكل الانفجار ضربة لميناء استراتيجي، ولو مؤقتة، بما يحمله من أهمية للتجارة الإيرانية ومستقبله بعد رفع العقوبات. وحتى الآن تبدو طهران حريصة على عدم التصعيد الفوري بانتظار نتائج التحقيقات، وقدمت معلومات أولية على لسان مجلس الشورى الإيراني.
-
الرواية الرسمية
بحسب التصريحات الإيرانية الرسمية الأولية من المتحدثة باسم الحكومة (26 ابريل) فما تم تحديده حتى الآن هو أن “الحاويات التي كانت مخزنة في أحد أركان الميناء وربما كانت تحتوي على مواد كيميائية انفجرت، وحتى يتم إخماد الحريق بالكامل، من الصعب الإدلاء بتعليق دقيق وخبير حول السبب وأصل الحادث”.
باختصار، فإن الرواية الرسمية الإيرانية تقول إن الانفجار حصل في حاويات قد تحتوي على مواد كيميائية مخزنة في الميناء، والتحقيقات ما تزال مستمرة، ولا يوجد إعلان رسمي قاطع عن السبب بعد. ومع الجدل حول ارتباط الانفجار بمواد تستخدم في الصناعة العسكرية، أكدت لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني أن الانفجار الذي وقع في ميناء “شهيد رجائي” بمدينة بندر عباس في محافظة هرمزغان جنوب إيران لا صلة له بالقطاع الدفاعي الإيراني. وكتب المتحدث باسم اللجنة إبراهيم رضائي عبر حسابه في منصة “إكس”: “وفقا للتقارير الأولية، فإن الحريق في ميناء شهيد رجائي لا علاقة له على الإطلاق بالقطاع الدفاعي للبلاد”. فيما أكد المتحدث باسم الوزارة، العميد رضا طلايينك، أن “الناس يمكنهم الاطمئنان إلى عدم وجود بضائع عسكرية أو وقود ضمن منطقة الحادث أو في الميناء بأكمله”.
-
الميناء المستهدف
الميناء المستهدف هو الميناء الرئيسي للشحن في إيران، تمر عبره ملايين الأطنان من البضائع سنوياً، بما في ذلك: الوقود، المواد الكيميائية، الحبوب، المعادن، المواد الغذائية وغيرها من السلع، ويرتبط بشبكة سكك حديدية وطرق تؤدي إلى المراكز الصناعية والمدن الكبرى الإيرانية مثل: شيراز، كرمان، زاهدان، شيرجان. فموقعه الجغرافي شديد الأهمية، إذ يقع بالقرب من مضيق هرمز، أحد أهم ممرات الشحن في العالم. وله أهمية جيواستراتيجية كبيرة لإيران، ويشكل ركيزة في الاقتصاد البحري الإيراني. وتعرض سابقاً لهجمات إلكترونية (مثل الهجوم السيبراني التي اتهمت به إسرائيل عام 2020م الذي أدى إلى شل الميناء مؤقتاً). ومن المُفترض أن يكون له نشاط اقتصادي فاعل في مرحلة ما بعد رفع العقوبات على إيران.
المملكة العربية السعودية سارعت إلى التضامن مع إيران، وتعزيتها بالضحايا على لسان الملك السعودي وولي العهد، وكذلك حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
فيما أعلن محافظ هرمزغان الجنوبية في إيران محمد عاشوري، الحداد ثلاثة أيام في المحافظة على أرواح ضحايا الانفجار الذي وقع في ميناء “شهيد رجائي” بمدينة بندر عباس. وشاركت روسيا بإطفاء الحرائق عبر ثلاث طائرات تابعة لوزارة الطوارئ. وأشرف الرئيس الإيراني على عمليات الإطفاء.
-
الانفجار والمفاوضات
تزامن الانفجار مع الاجتماع الثالث بين ايران والولايات المتحدة في المفاوضات غير المباشرة، في سلطنة عمان.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال إن الجولة كانت أكثر جدية وعملية من سابقاتها. ودخلت في تفاصيل فنية، وابتعدت عن القضايا العامة. وهناك خلافات ما تزال مستمرة بشأن بعض القضايا العامة، لكنها ستُناقش في المراحل القادمة. وبالعموم وصفت الأجواء العامة بأنها “إيجابية وعملية”.
وفي وقت سابق كان عراقجي حذر من أن “إسرائيل تحاول تعطيل المسار الدبلوماسي”. وأكد أن الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الإيرانية في حالة تأهب تام لمواجهة أي عمليات تخريب أو اغتيالات قد تستهدف إفشال المفاوضات. ووردت تصريحات مماثلة عن الحرس الثوري محذراً الكيان من الإقدام على أي عدوان. ومنذ بداية المفاوضات الإيرانية الأمريكية والكيان الصهيوني رافض لهذا المسار. وفي الجولات السابقة كشفت تقارير عبرية عن قلق “تل أبيب” من مسار تفاوضي قد يُنتج اتفاقاً مرحلياً لا يحقق مطالبها، ويُنظر إليه كـ”تنازل أمريكي”.
-
الفرضيات
هناك عدة فرضيات غير رسمية مطروحة لتأويل الانفجار، من فرضية أن الانفجار ناتج عن خطأ في تخزين مواد قابلة للانفجار.
الفرضية الأخرى، فرضية انفجار شحنة مكونات صواريخ مستوردة من الصين، وصلت إلى إيران عبر ميناء الشهيد رجائي، وهي خاصة بالحرس الثوري الإيراني، وتُستخدم لتصنيع وقود الصواريخ. وهذه الفرضية نفاها مجلس الشورى الإيراني.
الفرضية الثالثة العمل التخريبي، وقد أشارت مصادر إيرانية مختلفة إلى احتمال أن يكون الانفجار عملاً تخريبياً متعمداً. والجهات المحتملة المسؤولة عن عمل تخريبي بحسب التكهنات، الموساد الإسرائيلي، بهدف تعطيل إيران خلال المفاوضات النووية الجارية.
من الجهات المحتملة أيضا مجموعات معارضة إيرانية إرهابية مثل، مجاهدي خلق، جيش تحرير بلوشستان، حزب كومله الكردي، فمختلف هذه القوى المعارضة مسلحة ولها ارتباطات بالموساد الصهيوني.
وهناك فرضية ضمنية بأن “إسرائيل” قد تكون متورطة في عمليات تخريب محتملة لإحباط المفاوضات النووية، لا يوجد اتهام رسمي مباشر لـ”إسرائيل” بالمسؤولية عن الانفجار حتى لحظة إعداد الملف، ويُلاحظ أن نفي “إسرائيل” السريع عزز التكهنات غير الرسمية، لكنه لم يحسمها.
-
التحديات الأمنية
تُظهر حادثة الانفجار في ميناء الشهيد رجائي ببندر عباس أن إيران تجد نفسها أمام تحدٍ مركبٍ يجمع بين الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية في لحظة تفاوضية حرجة؛ فبينما تسير المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة في أجواء توصف بالجدية والتقدم، يأتي هذا الانفجار ليثير تساؤلات حول البيئة الأمنية الإيرانية، وإمكانية تعرض المسار الدبلوماسي لمحاولات تخريب متعمدة.
ورغم تمسك الرواية الرسمية بالحذر وانتظار نتائج التحقيقات، فإن التكهنات المنتشرة حول احتمال تورط قوى معادية – سواء عبر التخزين الخاطئ أو الأعمال التخريبية – تكشف حجم الصراع الخفي الدائر حول مستقبل إيران الإقليمي والدولي. كما أن استهداف ميناء حيوي كميناء الشهيد رجائي يضرب شرياناً استراتيجياً أساسياً للاقتصاد الإيراني، في وقت تحاول فيه طهران إعادة تثبيت نفسها كطرف فاعل في معادلات المنطقة والعالم، وتستعد لرفع العقوبات وعودة نشاطها التجاري.
إن ما حدث يؤكد أن إيران، وهي تخوض معركة تفاوضية دقيقة، مطالبة في الوقت نفسه بتأمين جبهتها الداخلية ومرافقها الحيوية، ومواجهة حملات التخريب السياسي والأمني التي تهدد بإضعاف أوراقها التفاوضية.
وفي ظل هذا الوضع المعقد، تبقى خيارات طهران مفتوحة ما بين التهدئة لإكمال المفاوضات، أو التصعيد المدروس إذا تبين أن أعداءها استهدفوا أمنها القومي بشكل مباشر.