مناسبة اكتمال عام، وقدوم عامٍ آخر، يلفت نظرنا إلى واقعنا، ومسيرة حياتنا، واهتماماتنا العملية، أن يمضي عامٌ، معناه عامٌ من العمر في مسيرة الزمن، ورحلة الحياة، التي لها أجلٌ محددٌ مسمَّى، يعلمه الله، ويجهله الإنسان، هذا يذكِّرنا بحقيقة وجودنا في هذه الحياة، وأهمية الاستثمار الصحيح للوقت والعمر في العمل الصالح، فالزمن يمضي بنا نحو آجالنا؛ بل ليس فقط هذا، فيما يتعلَّق بأجل الوفاة والموت والرحيل من هذه الحياة، بل وحتى من القيامة، فنحن آخر الأمم وأقربها من القيامة.
يغفل الإنسان عن هذه الحقيقة، ويعيش في روتينه في الحياة، واهتماماته في الحياة، وكأنه يعيش للأبد في هذه الدنيا، وقد يتفاجأ الكثير من الناس حينما يأتيهم موعد الرحيل، والإنسان لا يدري متى هو هذا الموعد، فحينما يأتيه الموت، ويدرك أنه راحلٌ حتماً عن هذه الحياة، يطلب المهلة، والرجوع من أجل ماذا؟ من أجل أن يتدارك ما قد فرَّط فيه فيما مضى من حياته، يتداركه بوقتٍ ولو قصير، يُسَخِّره بكله في العمل الصالح، الذي يترتب عليه فوزه، ونجاته، وفلاحه، ويترتب عليه أيضاً مستقبله فيما يتعلَّق بالآخرة، وهو المستقبل الأبدي الدائم.
الإنسان في مثل تلك اللحظات- لحظات موعد الرحيل من هذه الدنيا الفانية- يدرك كم كانت حياته، التي أضاعها وأضاع الوقت فيها، مهمةً جدًّا للعمل الصالح، للاستثمار لها في العمل الصالح، وهذه الحقيقة بيَّنها الله لنا في القرآن الكريم بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}[المؤمنون: 99]، يطلب أن يرجع، لماذا؟ {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون:100].
القضية المهمة والرئيسية، التي تبرز كأهم شيء وأهم موضوع لدى الإنسان في تلك اللحظات الحرجة، لحظات رحيله من هذه الدنيا الفانية، هو: أنه يستذكر أهمية العمل الصالح؛ لأنه يدرك أنه منتقلٌ إلى عالم الآخرة، وهو عالمٌ أبدي، الجزاء فيه كبير، وهو مرتبطٌ بالعمل؛ ولـذلك هو يتحسَّر على ما أضاعه من عمره ووقته وحياته، كيف أنه لم يستثمره في العمل الصالح، فيطلب الرجوع لهذا الهدف: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون:100]، ولكن بعد فوات الأوان، لا يمكن أن يحصل على هذه الفرصة الإضافية؛ ولهـذا يقول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون:100].
وبما أن الإنسان يتحسَّر حسرةً كبيرةً جدًّا، إذا أضاع عمره ووقته، مضى عام تلو عام من عمره، من حياته، يُقَرِّبه من أجله، ثم يأتي الأجل، يتحسَّر حسرةً كبيرةً جدًّا في عدم استثماره لهذه الفرصة الوحيدة، التي لا يمكن أن يحصل على فرصةٍ بعدها، لماذا لم يستثمرها في العمل الصالح؛ أتى أيضاً في آيات كثيرة جدًّا في القرآن الكريم التنبيه على ذلك؛ إقامةً من الله للحُجَّة على عباده؛ لأنها- فعلاً- بداية الحسرات الشديدة، بداية العذاب النفسي لكل من فرَّط وقصَّر، وأهمل وغفل، ولم يلتفت إلى نداءات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
يقول الله في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}[المنافقون:9]، ذكر الله عنوانٌ واسع:
- يشمل التذكُّر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والذكر باللسان والوجدان.
- يشمل كل الأعمال العبادية التي نتقرَّب بها إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
- يشمل أيضاً المسؤوليات المرتبطة بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، التي أمرنا الله بها، وتعتبر واجبات بيننا وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ومسؤوليات بيننا وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
- تشمل هدي الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
عنوان يشمل كل ما يصلنا بالله فيما يُذَكِّرنا به، وفيما نتذكَّره من مسؤولياتنا وواجباتنا.
- يشمل القرآن الكريم، الله سمَّاه بالذكر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}[الحجر:9]، والقرآن الكريم أيضاً فيما هدى إليه، فيما تَضَمَّنَهُ، مع الأعمال العبادية والأعمال الصالحة التي هي قربةٌ إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وذكرٌ لله "جَلَّ شَأنُهُ".
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي
بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية وحول آخر التطورات والمستجدات
1 محرم 1447هـ