الأمة نفسها في ظل وضعية يقدم لها هدى الله سبحانه وتعالى، لا تبقى المسألة عندهم مجرد أماني وظنون، يعطون بينات واضحات لا يقبل منهم إلا التسليم لله سبحانه و تعالى، وهو الشيء المفروض أمام هذه البينات. يتخلصون عن القضية هذه مع علمهم أن الله هو رب العالمين، وأنه يجب التسليم له، وأن ما أنزله هو أنزله لعباده جميعاً؛ لأنه ربهم جميعاً ليكون هدى لهم جميعاً، وعبادته هي حق عليهم جميعاً أن يعبدوه.. خلصوا إلى أن{قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية91) انتقل إلى أن يفضحهم هم في تعاملهم على ما هم عليه مع ما يدّعون أنهم يؤمنون به، ماذا بقي في الأخير ؟ نسف لما اعتبروه مبرراً .
لاحظ هنا في القرآن الكريم يأتي في مقابل أشياء من هذا القبيل تعتبر دعايات، أو مقولات، بعضها تكون تشكل خطورة تكون قابلة للتعميم بشكل كبير فمتى ما وجه لفضحها بطريقة دقيقة فيجب على أن الناس أن يكونوا هم متفهمين القضايا التي تشكل خطورة في تعميمها، أن تكون أنت عندك قدرة على فضحها وبهذا الأسلوب. لاحظ كيف كان هذا الأسلوب، وهي قضية منهجية ليس معناه: أنك تنطلق في نفس الموضوع مثلاً الله يقول هنا:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية91) .
هل استمر الحديث معهم في موضوع، [لكن الله هو كذا، ومحمد هو كذا، والأدلة قد قامت على محمد، وقد ثبت على أنه من عند الله] وأشياء من هذه! إنطلق إلى فضحها من خلال معاملتهم مع ماذا؟ مع ما يدعون أنهم مؤمنون به. هنا نقول: إيمانكم رأينا ماذا تجلى عنه:{قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(البقرة: من الآية93).
هناك دعايات أخرى تأتي داخل القرآن الكريم يحكيها عن آخرين، قد تكون أحياناً ليبين لك بأنهم فكروا أن يقولوا هكذا، وأحياناً قد يعرض عنها يعرض عنها بأي اعتبار كان.
إذاً هذه تلمس بأنها مقولة ساروا عليها ، ورسخوها فعلاً داخل اليهود. نحن كنا نسمع عن اليهود هنا في اليمن مثلما قلنا سابقاً بأنهم يقولون : [نبيكم محمد نبي لكم، والقرآن كتابكم، ونحن معنا الذي أنزل علينا لوحدنا]، وأنهم أوصلوا في الأخير ـ لخطورة المسألة ـ أوصلوا المسلمين إلى أن ينظروا إليهم فعلاً كأناس هم أصحاب دين، وأصحاب كتاب، وأصحاب نبي لهم ، وهذا لنا! أليست هذه خطيرة ؟ إنبنى عليها في الأخير، في العصر هذا، بعد أن قدموهم وهم مساوين لنا، قدموهم [معهم نبي، ونحن معنا نبي، معهم كتاب، ونحن معنا كتاب، هم أهل دين، ونحن أهل دين]، ألم يقدموا بهذا الشكل؟ إذاً نؤمن بهم على هذا النحو!.
هذا أثر من آثار المقولة هذه التي رتبوها هم من البداية، ثم في الأخير قبول بهم ، قبول بهم ! مع أنك تجد القرآن لا يقبل بهم إلا بأن يؤمنوا على هذا النحو الذي قدم، قضية يؤمن بها الناس جميعاً، وهم ليسوا استثناء من الناس، لا هم ، ولا النصارى. وفي الأخير قدم الموضوع عملياً بأنه: نثقف نحن لنقبل بهم ، نتسامح معهم، وهم يتآمرون! نقبل بهم وهم يرفضوننا، نتسامح معهم وهم يحاربوننا، نقبلهم وهم رافضون! وفي الأخير ماذا؟ نقبلهم أن يتحكموا في تثقيفنا نحن، وأن يحتلوا بلادنا نحن، وهم في نفس الوقت لا نحاول أن نقول لهم: إذاً تعالوا لتؤمنوا بما أنزل علينا بأنه من عند الله. لأن عبارة:{نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} ليس فيها إقرار بأن ما أنزل على المسلمين، على محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) بأنه من عند الله.
لاحظ أليست هذه المغالطة موجودة الآن داخل وسائلنا التثقيفية وبعض علماء من علمائنا، ومثقفين، الذين يكونون في اتجاه الأنظمة الحاكمة الذين يحاولون بأي طريقة أن يقوا أنفسهم شر أمريكا إذا بالإمكان أن تقبل؟ يحاولون يثقفوننا بهذا الشكل:[كلها ديانات سماوية واحدة] كما يقولون .
إذاً هل بإمكانكم أن تأخذوا من اليهود اعترافاً بأن القرآن هو من عند الله؟ وبأن محمداً هو نبي من عند الله ؟ وأن الإسلام هو دين من الديانات السماوية؟ هم لا يفكرون في هذا! فقط أصحابنا الذين يحاولون أن يفرضوا علينا القبول بالآخر، والإعتراف بأنه صاحب ديانة مستقلة، لها شرعيتها، وهي مقبولة. لا يفكرون بأنه: إذاً إجعلوهم يعترفون بالإسلام بأنه دين سماوي، يعترفون بالقرآن بأنه نزل من عند الله، ويعترفون بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه رسول من عند الله! لا يعملون هذه أبداً .
فلما كانت هذه المقولة هي مظنة أن تترك أثراً كبيراً سيئاً كان التقديم لها هنا بالشكل الذي أيضاً يفضحها، ويعلم الناس كيف يواجهون مثلها. هذا يؤكد لك فعلاً أن القرآن الكريم هو نزل من عند من يعلم السر في السموات والأرض الأشياء التي قد تكون مؤثرة يعطيها اهتماماً كبيراً هنا في كيف تفضح، لم تهتم القضية [بالجدل المنطقي] الذي يسمونه، أن تنطلق للبرهنة على أن هذا من عند الله ، وقد قال عنهم بأنهم عارفون أنه من عند الله، فقط تفضحهم في هذا، أتركها تظهر بأنهم كاذبون فيها من خلال تعاملهم على طول تاريخهم مع أنبيائهم وما كان ينزله الله عليهم. أليست القضية انتهت إلى فضح لهم ؟{قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(البقرة: من الآية93) .
تجد أثراً آخر في موضوع النفسية أعني الفارق الكبير بين ما يتركه الإيمان الصحيح الهدى من الله ، من طمأنينة لدى الإنسان بحيث يصبح في موضوع الموت، مستهينا بقضية الموت؛ لأنه لا يمثل الموت عنده قضية، يعرف هو على طريق هدى، وعلى طريق حق، الجنة هذه هي غايته. أعني: أن الإنسان يصل إذا كان متفهماً يصل إلى معرفة بأن الطريقة التي هو عليها هي الطريقة التي رسمت لتكون غايتها الجنة، هي الطريقة التي يحظى في السير عليها برضوان الله.
هذه الحالة لا يمكن أن تحصل مع أطراف أخرى مهما حاولوا أن يضفوا على طريقتهم من طمأنينة، أو على نفسياتهم لا يمكن، يحصل حالة من القلق تفضحهم على الرغم من أنهم يدعون أن الدار الآخرة لهم:{لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى}(البقرة: من الآية111). اليهود يقولون: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً، والنصارى يقولون: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً!{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ}(البقرة: من الآية94) كما تدعون أنتم، فالشيء الطبيعي كيف تكونون؟ فالشيء الطبيعي أن لا يكون الموت يشكّل عندكم قضية{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة: من الآية94). هذا يوجه إلى ما يفضحهم وأن هذا الإفتراء ناتج عما تعيشه نفسياتهم من القلق وعدم الطمأنينة{فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: من الآية94) .
أسوء من هذه العقيدة، ما حصل عند طوائف من المسلمين أن الرسول سيشفع لأهل الكبائر يوم القيامة وافتروا في ذلك حديث:[ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ]. أمّنوا بها السلاطين، أمّنوا بها الخلفاء، أمّنوا بها الزعماء فتصرفوا مع عباد الله تصرفات قاسية جداً ظلمت الأمة، ظلمت الأجيال من هذه الأمة على طول تاريخها بسبب عقيدة مثل هذه.[ فأنت إعمل ما تريد وإذا أنت تريد أن تحظى بشفاعة وتطمئن نفسك شيئاً ما فقم ببناء مسجد مثلاً أو أي عمل معين] تجد كانوا يقتلون المسلمين ويقتلون أولياء الله ويقتلون الآمرين بالقسط من الناس، ويبني مسجداً!. من أيام بني أمية علماء السوء ، علماء السوء يكونون قريبين لهم يُؤمِّنونهم ، ويُطمئنونهم، [وهذا حديث صحيح ورواه فلان، ورواه فلان ، وعقيدة ثابتة]، ويحاول أن يبحث عن إطلاق آيات معينة، ويحاول أن يجعلها شواهد على هذا، يطمئنه على أساس أن ينطلق في طاعة الله؟ أو ماذا؟ ليستمر على أعماله الإجرامية، فيقتل الناس، وينهب أموالهم، ويصادر حقوقهم على أساس أنهم قد قالوا له:[شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] .
إذاً لاحظ كيف ينتج عن هذا !. هذه حالة نفسية ، يحصل حالة من القلق، ينتج عنها تحريف ، بحث عن أشياء يتشبث بها، تقدم في الأخير عقيدة، تستخدم في الأخير لضرب الأمة، لاستمرار من يعتقدونها في أعمالهم الإجرامية ضد الأمة، في أعمالهم هم، في تحريف كتب الله، في ظلم عباد الله.. في الإجرام بشكل عام ، ومن أين نتج أن يقولوا هذه:{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ}(البقرة: من الآية80) لأنهم عارفون أنهم يرتكبون أشياء هي رهيبة، عندما يكونون يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
سلسلة دروس رمضان – الدرس الخامس
سورة البقرة من الآية (67) إلى الآية (103)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 5 رمضان 1424هـ
اليمن - صعدة