{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة: 67) هذه الآية أين هي؟ أليست في [سورة المائدة] وقد بلغ الرسالات؟ ألم يكن قد بلغ الرسالات بكلها؟ في هذه المرحلة قد عرف التوحيد لله، وعرفت العبادات، وعرف الجهاد، وعرفت تقريباً معظم الأشياء.
هذه الآية نزلت .. يعني: المشهور فيما يتعلق بها أنها نزلت في شأن ولاية الإمام علي في [يوم الغدير] كما روى الإمام الهادي، فلما نزلت لم يستجز أن يتقدم خطوة على موقع نزولها؛ لأن عبارتها هنا عبارة هامة، عبارة قوية {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} إن لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك، قضية معينة فكأنك لم تعمل شيئا، فكأنك لم تبلغ شيئا، أليس هذا يدل على أنها قضية هامة جداً.
الآية هذه نفسها توضح لنا القضية ما هي؟ القرآن كتاب أحكمت آياته، من نفس الآيات تعرف أنها قضية لن تكون إلا القضية التي عادة الناس يتنافسون فيها، وتطلع إليها نفوس الكثير من الانتهازيين ـ على ما يسمونهم ـ قضية ولاية الأمر، بلغ التوحيد، أليس التوحيد لله أكبر قضية؟ بلغه، إذًا بالتأكيد ليست هذه قضية التوحيد هنا {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ألم يقل: والله يعصمك من الناس؟ {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} بلغ الصلاة، هل ما يزال يحتاج بالنسبة لتبليغ الصلاة إلى عبارات كهذه؟ بلغ الصيام، بلغ الزكاة، الحج، الجهاد، المواريث، الأحكام المتعددة في مختلف القضايا بلغها.
إذًا ما هي القضية المهمة التي يبدو وكأن الرسالة بكلها مرتبطة بها؟ يعني: إذا لم تكن قائمة فإن الرسالة هذه بكلها لا فاعلية لها، تفرغ من مضمونها، أن الرسالة بكلها تفرغ من مضمونها، عندما يقول: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ما هنا فكأنك لم تبلغ؟ أي: معناه أن ما بلغته يفرغ من معناه فكأنه لا معنى له، هذا يعني: أن ولاية أمر الأمة على أساس القرآن الكريم، ولاية أمر الأمة تشكل ضمانة أساسية لمسيرة الدين، واستقامة الدين، استقامة الدين، واستقامة الحياة بكلها، ما هي القضية الخطيرة التي نرى بأن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بحاجة إلى أن يقال له: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} بلغ التوحيد وفي ظروف قاسية، وكان يحتاج في نفس الوقت إلى حراسة وهو في مكة، وهو أيضاً في المدينة كان يحتاج إلى حراسة، بلغ كل الأشياء، لا نعلم بأن هناك قضية يبدو كان يتخوف من تبليغها، أو قضية قد يرى بأنها حساسة أن تبلغ على نحو حاسم تماماً يعني: يقفل المجالات تماما أمام كل الموسوسين، والمتطلعين للاستيلاء على السلطة، على الخلافة من بعده.
في هذه المرحلة هل كان هناك كافرون يخشاهم؟ هو لم يخشاهم وهو بينهم في مكة، لم يكن يخشاهم وهو في بداية مرحلة المدينة. نزول [سورة المائدة] كان قد أسلمت الجزيرة هذه، بعد الفتح، أسلمت اليمن، وأسلمت الجزيرة، وخصوصا المنطقة هذه، أين هم الكافرون الذين قال بأنه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} هل يمكن من النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يتخوف عن تبليغ شيء خوفا من الكافرين؟ واضح ماذا قال في مكة عندما عرضت عليه قريش أشياء كثيرة، ألم يقل: ((لو وضعوا الشمس في يمني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه)) أليس هذا موقفا قوياً؟ ألم يتآمروا عليه في نفس الوقت؟ تآمروا عليه {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ} (الأنفال من الآية: 30).
إذًا في قضية ولاية الأمر بالتأكيد؛ لأن القضية حساسة، وتجلى من بعد موته (صلوات الله عليه وعلى آله) أليست هي التي تجلى فيها لعبة، حصل أخذ ورد واجتماعات، وخلاف وشقاق، وأشياء من هذه، لم يختلفوا على صلاة، ولا على توحيد، ولا على زكاة، ولا حج، ولا شيء، الم يكن أول ما اختلفوا عليه هذه القضية؟ قضية الولاية.
أن يقال للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يبلغها على هذا النحو أليس هذا يدل أن القضية بالغة الأهمية، أنها قضية بالغة الأهمية، وأنه إذا لم يبلغ، ويعلن فيكون الناس عارفين جميعاً، يبلِّغ في الحج قبل أن يفترق الناس إلى بلدانهم، فكأنه فرغ هذه الرسالة من محتواها، ولم يبق للدين معناه، ولن يكون لهذا الدين أثره في الحياة إذا لم تبلغ هذه.
قد يكون الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فعلا هو يعلم بالقضية، وعمل في البداية أشياء كثيرة، تبين للناس أن الإمام عليا هو الشخص الذي يؤهله من بعده، لم يكن يؤمر عليه أحداً، أحاديث كان يقولها مرة هنا ومرة هنا بالنسبة للإمام علي، لكن بقي الإعلان النهائي بشكل صريح على الأمة، ربما كان يفكر ما هو الأسلوب الأنسب؟ كيف يعمل، وأشياء من هذه، ليس إلى درجة أن يضعف، هو إنسان قوي، وإنسان لا يخشى أحداً إلا الله، لكن أحيانا قد يكون يتخوف في أشياء كيف تكون الطريقة المناسبة التي يمكن أن يبلغ الناس، ويفهموا ولا يكون هناك أي احتمالات أخرى، وهنا يأتي البلاغ من جهة الله سبحانه وتعالى بهذه العبارة الهامة: أن عليك أن تبلغ {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أليس هذا يوحي بأنه كان بالإمكان أن يتعرض لاغتيال، أو لاعتداء فعلا؟ من أين، من الكافرين أو من أين؟ من داخل! {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} الرافضين لما تبلغه، الرافضين لهذه القضية، لن يهتدوا إلى أن يضروك، لن يهتدوا، وفعلا لم يهتدوا، لم يتوفقوا. إن قلنا أن الكافرين معناها: المشركين، فلا يوجد هناك مشركين في تلك الفترة، لا يوجد أحد، أسلموا كلهم.
فرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بلغها على أكمل صورة أعني: فهذا يبين لنا، عندما نقول: لازم أن نعرف شخصيته (صلوات الله عليه وعلى آله) كيف كان هو في نفسه؛ لان ما قدم لنا بالنسبة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أنه إنسان صادق، أليست هكذا؟ وأهم شيء بالنسبة للنبوة أنه إنسان صادق، والمعجزة تشهد على أنه إنسان صادق، وصادق ..
الخ، أبو ذر صادق، وعلي صادق، وعمار صادق، وناس كثيرون هم صادقون أما نفس الصدق، لكن الشخص الذي يفهم القضية، وكيف يتعامل معها بما يليق بأهميتها، هي القضية الهامة جداً، والواسعة جداً، لاحظ كيف بلغ هذه القضية على أعلى مستوى، ألم يبلغها على أعلى مستوى؟ أوقف الناس جميعا، ومن تقدموا أرسل إليهم أن يرجعوا، وانتظر للمتأخرين، وفي وقت حرارة الشمس، وقت شمس حتى لا يقولون: لم يروه، هناك ضباب أو نحوه، شمس يقول أحد الرواة: [وإن أحدنا ليضع رداءه تحت قدميه وفوق رأسه] من حرارة الشمس وحرارة الرمضاء، يدل على ماذا؟ قضية هامة سيبلغهم، يوقفهم هنا في هذا المكان الذي ليس فيه ولا شجرة أو حجر، حتى لا يقولون: أنهم لم يروا النبي، فقط سمرات ثلاث التي وقف تحتها [طلح] من هذه أو [قرض] يسمونه، وقف تحتها ورصوا له أقتاب الإبل، أقتاب الإبل أليست تشهد بأنه بمحضر ناس؟ ما هناك أقتاب إبل إلا وهناك ناس كثير، ويطلع من فوق أقتاب الإبل، ويأخذ الإمام علياً معه، ويرفع يده بعد خطبة طويلة ويقول: ((إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)) أليس هذا أعلى طريقة للتبليغ؛ لأن القضية هامة جدًا، لاحظ أن المسألة كان هناك تآمر حولها، ولعبة، فعلى الرغم من حدة لهجة هذه الآية ـ إذا صحت العبارة ـ والاهتمام الكبير من جانب الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في تبليغ ولاية الإمام علي تآمروا من جديد، وشاققوا، وفعلا ركزوا شخصا آخر، أليس هذا الذي حصل؟ لكن ما الذي بقي أن نفهم نحن، إذا لم نفهم أهمية ولاية الأمر في الإسلام فسنقول في الأخير: [ما هناك مشكلة وأبو بكر كان رجل باهر، وفلان كان باهر والمهم واحد] وأشياء من هذه، وهكذا من جاء باهر، باهر ولا تدري في الأخير إلا وقد أنت تحت [بوش] ثم في الأخير يقولون لك: وبوش باهر، أليست هكذا؟.
أهمية ولاية الأمر في الإسلام أنها تشكل ضمانة لاستقامة الدين، وحيوية الدين، متى ما كان الدين قائماً، والدين حياً، تكون الأمة قائمة وحية، الأمة مربوطة بهذا الدين. إذًا فهي قضية هامة جداً، ليست قضية كيفما كان إذا لم تكن حاصلة، تصبح كثير من تشريعات الدين تستغل استغلالاً سيئا بما فيها المساجد، بما فيها الصلاة، بما فيها منابر المساجد، بما فيها الحج، بما فيها الزكاة، بما فيها منطق القرآن، تقديم القرآن نفسه، فهي تشكل ضمانة ضرورية جدًا جدًا، لاستقامة الدين، ليس مثلما يقول الاثنا عشرية، عندما يقولون: إمام ثاني عشر غائب، غائب وحجة على عباد الله وهو غائب، لا يفهمون هم أهمية، وقيمة، وغاية ولاية الأمر في الإسلام، كيف تقول لي: ولي أمر للأمة، وحجة على الأمة وغائب مائة سنة، بعد مائة سنة، طلع لك إلى الآن ألف ومائة سنة، ولاية الأمر تشكل ضمانة، ضمانة دائمة، استقامة للدين، فتصبح الصلاة لها فاعليتها، المساجد لها فاعليتها، منابرها لها فاعليتها، الحج له فاعليته، الزكاة لها فاعليتها، القرآن له حيوته، وهكذا، إذا ما هناك شيء يموت الدين، وتموت الأمة، مثلما هو حاصل الآن وهناك [57] ولي أمر، أليس هناك [57] واحد الآن على هذه الأمة؟ وميتين هم والشعوب هذه، مثلما قال رئيس الوزراء الماليزي، كانت كلمته فعلا كلمة مؤثرة، كيف مليار وثلاثمائة مليون مسلم، ويزعجهم حفنة من اليهود، يخاطب الذين يزعجون الناس دائما عن طريق الخطباء، أن يدعوا الناس إلى وجوب طاعة ولي الأمر، لم يجرؤا أن يطلعوا أمر في قمة [منظمة المؤتمر الإسلامي] ولا أمر واحد يكون فيه قسوة، أو فيه ما يكون بالشكل الذي يردع أمريكا وإسرائيل، هل طلعوا أمراً واحدًا؟! لهذا نرى الأمة ميتة، السبعة والخمسين، والمليار وثلاثمائة مليون مسلم، بل يقولون: هم أكثر إلى حوالي خمسمائة.
نحن نقول: أننا في مرحلة يجب أن نفهم ديننا، حتى لا نأتي في الأخير ليقول لنا اليهود: [دينكم هذا لا يقدم أي حل وليس عنده أي رؤية، وهذا الدين لا يصلح] فنقول: والله صحيح، [الحقوا بركابنا لتتحضروا، اتركوا هذا الدين لم يعمل لكم شيئا] نقول: والله صحيح. يجب أن نفهم ديننا؛ لأنه أول واجب علينا أن نفهمه بشكل صحيح من الناحية الإعتقادية أمام الله، أن ننزه الله أنه لم يكن عنده تقصير، وأن تشريعه لائق بجلاله، وعظمته، وملكه، وحكمته، وقدسيته. هذه قضية أساسية: أن تُفهم، حتى نعرف أننا أُتِينا من جهة أننا أعرضنا عن ديننا، فنضرب ونحن نقول مثلما قال يونس: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء من الآية: 87) لا أن نقول في الأخير: الدين هذا هو ضلال، الدين هذا هو الذي ضيعنا، الدين هذا هو الذي لم يقدم لنا أي حل.
الدرس الثالث والعشرون من دروس رمضان المبارك.
ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ 23 رمضان 1424هـ
الموافق 17/ 11/2003م
اليمن ـ صعدة.