بعد أن عرفنا من قول الله سبحانه وتعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (المائدة:55) التوجيه لنا - إضافة إلى ما تقدم في الآيات قبلها من التحذير من تولي اليهود والنصارى - التوجيه الذي يبعدنا عن أن نتولّ اليهود والنصارى، أو تكون وضعيتنا بالشكل الذي نقبل فيها - من حيث نشعر أو لا نشعر- أن نتولّ اليهود والنصارى.
بعدها {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56) يقول: ومن يتولى، نريد أن نعرف كيف نتولى الله ورسوله والذين آمنوا؟. وكيف نكون من أولياء الله؟.
الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم مخبراً عن حال أوليائه {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (يونس:64) {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}أليس هذا التعريف بأوليائه {الَّذِينَ آمَنُوا}: صدَّقوا، ووثقوا، وفهموا ووعَوا، صدَّقوا بوعد الله لهم، ووثقوا بالله ربهم.
الوعود سواء ما كان منها متعلقاً بحالة المواجهة مع أعدائه وأعداء المسلمين، أو ما كان منها متعلقاً بالآخرة، أو ما كان منها متعلقاً بمغفرة الذنوب، أو ما كان منها متعلقاً بسعادة الأمة في الدنيا.
الذين آمنوا وصدَّقوا ووثقوا بمثل قول الله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: من الآية7) أليس هذا وعد؟. يتطلب إيماناً. صدَّقوا ووثقوا بمثل قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج: من الآية40) صدقوا بوعد الله ووثقوا بقوة الله وعزته.
صدقوا وهو يتحدث عن واقع أعدائهم حيث يقول في ما يتعلق باليهود والنصارى {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} (آل عمران: من الآية112) أليس يتحدث عن واقع أعداءهم؟. وكيف سيكونون هم في ميدان المواجهة معهم؟. صدقوا ووثقوا، آمنوا بمثل قوله تعالى {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ}(الفتح: من الآية22) صدقوا بمثل قوله تعالى وهو يأمرهم بالجهاد {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة: من الآية41) علموا وصدقوا ووثقوا، صدقوا بوعد الله للشهداء حيث يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169) . آمنوا صدقوا، ووثقوا. وصدقوا أيضاً بمثل قوله تعالى وهو يتحدث عن أوليائه في الآية السابقة {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (يونس:64) أليس هذا وعد إلهي؟ آمنوا وصدقوا ووثقوا.
وكم في القرآن الكريم من الوعود المهمة، من الوعود العظيمة، التي لها قيمتها وأثرها في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لو وَجَدَتْ من يؤمن بها، لو وَجَدَتْ من يُصدق ويثق بها، وعود تأتي من قِبَل الله، وعود من قِبَل من له ملك السماوات والأرض، وله الدنيا والآخرة.
ولكن الشيء المُدْهِش والغريب هو أننا كيف نصدق وعود اً تأتي من قِبَل الآخرين نحن نعرف أنهم كذبوا علينا في السنة الماضية، وقبل السنة الماضية، ثم يتحدثون بأنه من الآن فصاعداً سنفتح صفحة جديدة، فنصدق ونثق ونصفق.
لم نتعامل مع الله سبحانه وتعالى، ولم نصدق تلك الوعود المهمة، تلك الوعود العظيمة، وَعَدَ المسلمين حتى بالغنائم، وَعَدَهم بمناطق أخرى سيفتحونها {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} (الفتح: من الآية21).
فلهذا كان من ميزة أولياء الله الميزة العظيمة هو أنهم يؤمنون بما تعنيه الكلمة أي يصدقون ويثقون.. ثم {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} لنعرف أن الذي يصنع التقوى هو الإيمان، متى ما آمنت، متى ما صدقت، متى ما وثقت، متى ما فهمت أهمية هذا الوعد، أهمية هذا الأمر، أهمية هذه المسئولية هناك سترى كم يكون التقصير مزعجاً، كم سيكون التقصير مخلاً، كم سيكون التقصير سيئاً، فأنت حينئذٍ ستعمل من منطلق إيمانك الواعي، وفهمك الواعي إلى أن تكون متقياً من أن يحصل منك تقصير نحو الله سبحانه وتعالى، تفريط في المهام التي أصبحت تعرف من واقع إيمانك أهميتها تخاف من تلك العقوبات التي توعد بها من قَصَّر وفَرَّط وخالف وعاند، فأنت تعمل على أن تتقي الله من أن يحصل منك ما تستوجب به غضبه، وما يجعلك أيضاً جديراً بأن ينزل عليك عقوبته، تلك العقوبة التي أوعد بها. القرآن مليء بالوعد والوعيد، مليء بالوعيد الذي يعني التهديد على التفريط الذي يحصل من جانب الناس.
{آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} ولهذا نفهم كيف أن التقوى فعلاً هي حالة نفسية يخلقها الإيمان الواعي، يخلقها التصديق العملي، في نفس الإنسان فهو ينطلق من واقع إيمانه، ومن صدق وعيه وفهمه، نحو كل قضية لأنه يعرف أهميتها، وخطورتها ومسئوليته الكبيرة فيها، فيخاف الله من أن يقصر فيتقيه، إذاً هنا آمن واتقى {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.
إذاً فكيف نكون من أولياء الله إلا إذا كنا نثق به، نثق بالله نعتمد على الله، نتوكل على الله، نعمل على الحصول على أن نكسب ونحصل على رضا الله، نخاف من الله، نستعين بالله، نسترشد بالله، نستهدي بالله، نعتبره ولي أمرنا، هو هادينا، هو مرشدنا، هو من سيرعانا، من سينصرنا، من سيؤيدنا.. ولكن ليس مجرد كلام، ليس مجرد لقلقة ألسنة، بل تكون أنت فاهما وواعيا من هو هذا الذي تريد أن تعتمد عليه، إنه الله القوي العزيز القاهر فوق عباده، الذي له ملك السموات والأرض، وبيده خزائن السماوات والأرض، بيده الأولى والأخرى، بيده الدنيا والآخرة، تثق به وثوقاً صادقاً عملياً لا يتزعزع أبداً أمام أي دعاية أو إرجاف، أو تخويف، تعتمد عليه، تتوكل عليه.
وما كان أكثر ما يردد الإمام الخميني رحمة الله عليه كلمة [يجب أن نعتمد على الله] يقول للإيرانيين: اعتمدوا على الله، توكلوا على الله، بالاعتماد على الله نستطيع أن ننتصر، بالاعتماد على الله نستطيع أن نقف على أقدامنا دون حاجة أن نستعين بهذا أو هذا ممن لا تمثل استعانتنا به شيئاً، مما لا يمكن الاستعانة بهم إلا وندفع من إيماننا، ومن ديننا ثمن الاستعانة بهم.
كيف لو فهم زعماء العرب الاعتماد على الله سبحانه وتعالى، والتوكل على الله، لو كانوا بهذا المستوى كيف سيكونون في هذا العالم، لكن لا. انطلق كلٌ منهم يحاول أن يستعين بهذا أو بهذا بتلك الدولة أو بتلك، في كل أموره، حتى في مجال الخبرة في كيف ينظف مدينته، في كل شئون الحياة، أصبحوا يعتمدون عليهم.
إذاً فلِنكون صادقين في إيماننا يجب أن يكون إيماناً واعياً بالشكل الذي يخلق لدينا هذه المقومات المهمة، ثقة بالله، اعتماداً على الله، حباً لله، استعانة بالله، توكلاً على الله، ألم يقل هو {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران: من الآية122) {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: من الآية3) أليست هكذا الوعود الإلهية؟. وهي وعود أصبحنا في واقعنا - كباراً وصغارا ً- لا نثق بها.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.