عندما يتأمل الإنسان بالنسبة للقرآن الكريم يجد ـ فعلاً ـ أنه كتاب شامل، يتميز عن أي كتاب آخر مما تبذل الأعمار والأوقات والجهود في سبيلها. هنا يتناول القرآن الكريم كل شيء، كل شيء، فتجد فيه التذكير بالله سبحانه وتعالى، والتذكير باليوم الآخر، تجد فيه الإرشادات في كافة المجالات، تجد فيه التشريعات في كل المجالات، تجد فيه الترغيب والترهيب على أعلى مستوى، تجد فيه الحديث عن معرفة الله على أعلى مستوى، تجد فيه كل الإرشادات على أعلى مستوى كما قال الله فيه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الاسراء: من الآية).
فعندما يكون هناك اهتمام بالقرآن الكريم، إجلال للقرآن الكريم، إيمان بأنه ـ فعلاً ـ كتاب شامل يستفيد الإنسان منه في كل شيء، لم يجعله الله سبحانه كتاباً معقداً غامضاً على الرغم من أنه ((بحر لا يدرك قعره)) يستفيد كل إنسان منه ولو من خلال أن يسمع تلاوته، عندما نسمع التلاوة ألسنا نستفيد أشياء كثيرة ونفهم أشياء كثيرة من خلال تلاوته؟ ما نفهمه من خلال التلاوة شيء كثير وهام جداً، إضافة إلى ما يمكن أن نفهمه أيضاً بطريقة أخرى زيادة تبيين للآيات نفسها، لهذا وصف الله آياته بأنها: آيات بينات، فيها بيان يكفي، يكفي من مجرد تلاوته، وما يحصل من خلال السماع لتلاوته يكون ـ أيضاً ـ أسساً لفهم أكثر، وتقبل أكثر لما يأتي من تبيين من داخل آياته، ومن عمقه كما قال الإمام علي (عليه السلام) عنه: ((إنه بحر لا يدرك قعره)).
نحن نذكر دائماً بأن كلما نقوم به هو عملية إستيحاء من خلال آيات الله من خلال آيات القرآن الكريم لا يعني أن ما نقدمه هو كل ما يمكن أن تعطيه الآيات! لو نجلس مع القرآن الكريم كل شهر، كل شهر وكل ما انتهينا منه عدنا إليه لما نفدت فوائده، لما نفدت إرشاداته وهداياته !.
وكما نذكر أكثر من مرة: بآن القرآن يكون بهذا الشكل بالنسبة لمن؟ لمن يفهمونه بأنه كتاب حركة، كتاب حياة، كتاب عمل، كتاب عمل حتى فيما يتعلق بما نسميه: [ فقه ] بما نسميه أحكاماً معينة ، تجد بأنه لا يكون حديثه أشبه شيء يكون عبارة عن إصدار فتوى في الموضوع ، بل هو فقه يعطي الحكم في القضية ، ويبين الطريقة لتغيير القضية في كيف يعمل الناس ليغيروا المنكر المعين .
مثلاً نجد في موضوع: الربا ، والربا من أكبر الجرائم ، وأكبر الكبائر عند الله ، ومن أكثر الممارسات التي يعملها كثير من الناس ، ومن أكثرها ضراً على عباد الله، الربا ، بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى ما فيه إشادة بالإنفاق في سبيله ، وما وعد به المنفقين في سبيله، إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:274) هناك أيضاً ممارسة أخرى فيما يتعلق بالجانب المالي تعتبر مضيعة جداً، وتعتبر من أشد الأشياء ضراً على الناس على الأمة في حياتهم لنفهم كيف أنه يمكن بالنسبة للمال أولاً: أنه مرتبط بالنسبة للناس مما يجعل للمال قيمته وأثره الكبير في حياة الناس وأن نفس المال هذا من خلال ممارسة معينة يصبح شراً على الناس.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة: من الآية275 ) الربا: عندما تقرض قرضاً وتشترط بأنه عندما يسددك يعطيك ـ مثلاً ـ زيادة سواء كانت زيادة بنسبة معينة بنسبة 2% أو 5% أو 10% كيفما كانت المهم هناك زيادة هذا يسمى: ربا وهذا كان هو الربا السائد الربا السائد عند العرب في ذلك الزمان، واليهود هم من المشهورين بالتعامل بالربا وتعميم الربا، اليهود أنفسهم.
الربا يكشف عن حالة جشع رهيبة عند الإنسان الذي يمارس هذه الجريمة الكبيرة عند المرابي أعني عملية تتنافى تماماً مع الأخلاق ، تتنافى تماماً مع ما يجب أن تكون عليه في تعاملك مع الآخر، مع المحتاج يكشف عن جشع رهيب ، عن نفسية لم يبق لديها أي ذرة مما يسمى بإنسانية ، أو بأخلاق كريمة ، لا رحمة لا عاطفة ولا شفقة، همه المال ، ونفسه ذائبة في المال ، وإذا أعطى شيئاً لا يعطيك من أجل أنه يريد أن يقدم إليك معروفاً ، أو يريد يعطيك بدافع عاطفة ، بدافع رحمة ، بدافع أنه يريد أجر من الله سبحانه وتعالى ، يعطيك ويريد مقابل ما يعطيك زيادة !.
للأسف هذا الربا مما هو منتشر في الدنيا بشكل رهيب، وداخل البلاد الإسلامية حتى أصبح ـ تقريباً ـ تعاملاً شبه طبيعي وكأنه لا يمثل أي منكر من المنكرات، وكأنه ليس فيه أي ضر من الأضرار.
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ} (البقرة: من الآية275) يعني يوم القيامة عندما يبعثون، يبعث فيتخبط وهو يساق إلى المحشر كالمصروع {إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة: من الآية275) ولا يبعد أن تكون هذه حالة تصل بالإنسان الذي يسيطر الجشع والطمع على نفسه فتراه غير متزن، يصبح إنساناً غير طبيعي، غير متزن. لو تتابع حركات بعض التجار، ورجال الأعمال ـ كما يسمونهم ـ تراهم وكأنهم غير متزنين، كالمصروعين، كالسكارى! ما هناك اتزان لديهم، يقوم من بين فراشه، يقوم من محل عمله، يقوم من أي مقام هو فيه ذهنيته مستغرقة، مستغرقة تماماً بموضوع المال، ومتابعة مسيرة حركة المال ما بين ربح وخسارة، وحسابات في ذهنيته طويلة عريضة تجعله إنساناً غير متزن وغير طبيعي !.
لهذا ليس بعيداً إذا واحد تأمل ـ فعلاً ـ وتابع حركات كبار رجال الأعمال ـ كما يقولون ـ أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والمرابين يكونون بهذا الشكل؛ لأن الطمع في المال، الجشع الكبير في المال يفقد الإنسان اتزانه وحركته الطبيعية وتصرفاته الطبيعية! إذا أنت تتابع أحياناً يظهر الناس الذين يكونون في [البورصات] ـ كما يسمونها ـ ترى كيف! حركاتهم مرة تلفون من هنا، ومرة تلفون من هنا، ومرة من هنا، ومرة يمسك هذا، يقدمون له قهوة يقدمون له أكل تجده مثل المصروع!
بالنسبة للإسلام هو فيه توازن ينفرد به فعلاً، فيما يتعلق بموضوع المال لا تجد أنه في الإسلام هناك حد معين لا يجوز أن يتجاوزه رأس مالك ، بالإمكان ، والتوجيهات في القرآن الكريم أن يكون الإنسان ممن يملك رؤوس أموال كبيرة جداً لكن وتجده ـ في نفس الوقت ـ متزناً ، وطبيعياً ، ويحب فعل الخير ، وبعيداً عن كل هذه الأشياء ، أعني هذا الشيء الذي حرمه الله سبحانه وتعالى ما معناه أنه سيحد من تنمية رأس مالك أبداً ممكن أن يملك أي إنسان من المسلمين أموالاً كبيرة ، لكن عليه أن يعرف كيف تكون نظرته للمال ، وما هي المسئوليات والحقوق المرتبطة بهذا المال ، وأن يظل دائماً متذكراً لنعمة الله .
وضرب الله مثلاً من أرقى الأمثلة بمن ملكوا من مظاهر الدنيا ، والأموال ما لم يملكه أحد ، نبي الله [سليمان] تجد كيف كانت تصرفاته ، كيف كانت حركته ، كيف كانت حتى حركة جنوده {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} (النمل:17) كان يملك أموالاً رهيبة ، ويمتلك ملكاً ما توفر لأحد من بعده على الإطلاق إلى الآن ، ليست سيطرة فقط على الإنس ، أيضاً على الجن ، وعلى الطير ، وكثير من المعادن سخرت له ، لكن تجد كيف هو شخصية متزنة ، شخصية هادئة ، شخصية حكيمة ، يمتلك هذا الملك الرهيب وترى كيف يحاسب على النملة الواحدة لا تدوسها قدمه ! أليس هذا إنساناً متزناً، إنساناً ثابتاً؟ المرابون يدوسون الناس، يدوسون اقتصاد البلد، يتخبط ـ كما قال الله ـ .
قلنا هذا المثل من أعلى الأمثلة للشخصية غير المتزنة، للشخصية الفاقدة للحكمة وللإتزان وللحركات الطبيعية، سليمان على الرغم من ذلك المظهر المهيب بعد أن سمع كلام النملة ماذا قال؟ {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} (النمل: من الآية19) لأن الإنسان المؤمن مهما امتلك من الدنيا سيظل دائما ًيرى بأن هناك ما هو أرقى وأفضل هو: أن يعمل صالحاً ليحصل من خلاله على رضا الله، وليدخله الله بعمله الصالح في عباده الصالحين {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (النمل: من الآية19) أصحاب النفوس الجشعة، المرابون لم يعد يتذكر في ذهنيته أن هناك شيئاً يعتبر أرقى من المال ، أو شيئاً هو أعظم من المال ، أو أهم من المال أبداً ، أليس هنا نبي الله سليمان لديه نظرة بأن هناك ما هو أعظم من كل ما أوتي هو ماذا؟ {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} (النمل: من الآية19) بحيث يجند كل ما لديه من مظاهر الملك، وكل ما بحوزته من الأموال الكثيرة جداً في أن ماذا؟ في أن يعمل بها أعمالاً صالحة؛ لأن العمل الصالح في ذهنيته، في نفسيته هو الشيء المسيطر على مشاعره، وهو الشيء الذي يراه أعظم وأهم من كل ما لديه من مظاهر الدنيا هذه .
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الثاني عشر – من دروس رمضان]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 12 رمضان 1424هـ
الموافق: 6 /11/2003م
اليمن ـ صعدة.