لقد ثبت فشل كلِّ الخيارات والبدائل التي تشبَّثت بها الأُمَّة، وبنت عليها توجهاتها، ومواقفها، ونظرتها، ورؤيتها، فلماذا لا تجرِّب العودة إلى القرآن الكريم، وإلى الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ"؟! فلا صلاح لهذه الأُمَّة، إلَّا بما صلح به أولها، ولا خلاص من الجاهلية الأخرى، إلَّا بنور الله، الذي أخرج الناس من ظلمات الجاهلية الأولى.
وُلِدَ رسول الله محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" من سلالة نبيِّ الله إسماعيل، ابن خليل الله ونبيِّه إبراهيم "عَلَيْهِمَا السَّلَام"، بمكَّة المكرَّمة، في عام الفيل، العام الذي أهلك الله فيه الجيش الموالي للروم، الذي اتَّجه غازياً لمكَّة، بهدف تدمير الكعبة المشرَّفة، ووأد المشروع الإلهي، في وقتٍ ظهرت فيه المؤشرات والدلائل على قرب مولد وقدوم منقذ البشرية، ومحطِّم الطاغوت: خاتم الأنبياء، وكانت تلك الآية العجيبة من أكبر الإرهاصات للقدوم المبارك، والتهيئة للرسالة الإلهية، وعزَّزت من مكانة الكعبة المشرَّفة، ومكَّة المكرَّمة، كمركزٍ دينيٍ مقدَّس، وتنطلق منه الرسالة الإلهية.
كما حدثت متغيِّراتٌ كونيةٌ كبرى، مقترنةً بمولده المبارك، منها: منع الجن والشياطين من استراق السمع في السماء، ورميهم بالشهب، كما ذكر الله ذلك في القرآن الكريم، وحكى عنهم قولهم عن ذلك: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}[الجن:8-9].
ونشأ رسول الله محمد "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ" نشأةً مباركةً طيِّبةً، برعايةٍ من الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى"، وإعدادٍ إلهيٍ لمهمته المقدَّسة الكبرى، سليماً من كلِّ دنس الجاهلية وغوايتها.
وفي مرحلة يتمه في طفولته، هيَّأ الله له العناية الكريمة من جده عبد المطلب بن هاشم، ومن بعد وفاة جده، من عمه أبي طالب، الذي استمر ما بعد الكفالة والرعاية في المساندة والنصرة إلى حين وفاته، قبل هجرة رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" من مكَّة.
وتميَّزت نشأة رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" بتفرُّده العجيب في نماء كماله الإنساني، من: زكاءٍ، وسموٍ، ورشدٍ، وأمانةٍ، وحكمة، ومن التألق في سماء مكارم الأخلاق إلى مستوى العظمة، كما قال الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى": {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4].
وفي تمام شبابه وكماله، بعثه الله بالرسالة إلى العالمين، رحمةً للعالمين جميعاً، {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب:46]، وأنزل عليه القرآن الكريم، الذكر الحكيم، والنور المبين، والمعجزة الخالدة، نوراً للعالمين، ومنهجاً عملياً يتَّبعه، ويسعى به لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، كما قال الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى": {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم:1].
وكان خلاص البشرية يتحقَّق بأن تترك ما لديها من مفاهيم ظلامية، ومعتقداتٍ باطلة، وأفكارٍ معوجَّة، وتصوُّراتٍ زائفة، وخرافية، وما ينتج عنها من أعمالٍ سيئة، ومفاسد رهيبة، ومظالم كبيرة، فقد جاءها النور والحق الخالص، الذي لا يشوبه أيُّ شائبة باطل، كما قال الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى": {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:41-42]، وفي اتِّباعه الفلاح، والنَّجاة، والفوز العظيم في الدنيا والآخرة.
و
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف
12 ربيع الأول 1447هـ 4سبتمبر 2025م